من أقدار الله التي لا راد لها أن يكون المغرب بلدا ذا موقع جغرافي يمنحه فرصا كبيرة للعب أدوار طلائعية في رسم الخرائط السياسية في منطقة شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط. واستطاع المغرب خلال نصف قرن بناء مؤسسات دولة عصرية متوجة بدستور يحدد دور كل سلطة من السلط ولاجما لأي واحدة من أن تطغى على الأخرى، وعلى رأس تلك السلط السلطة القضائية. وظل القضاء المغربي نبراسا للدولة المغربية وحامي مؤسساتها وضامن استقرارها وعنوان عزتها. وظل الملك الراحل الحسن الثاني يردد مقولة بن خلدون التاريخية "العدل أساس الملك". فالقضاء هو الضامن لاستقرار البلد باعتباره هو من ينصف المواطنين من الظلم، وبالتالي هو الذي يضمن حق الكبير والصغير الغني والفقير. واليوم نكتشف أن القضاء هو المؤسسة القادرة على رد كرامة المغاربة ومواجهة المحاولات اليائسة للإضرار بالعلاقات بين المغرب وشركائه وعلى رأسهم فرنسا. فعندما أعلن المغرب تعليق جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا واستدعاء قاضية التواصل المغربية بفرنسا، فقد كان يعلن عن قوته على توقيف "البيضة فالطاس"، وتذكير من لا يعتبر أن اللعب ليس مريحا في العلاقات الدولية، وأن المس باتفاقية من الاتفاقيات هو مس بالسيا دة المغربية. ماذا كانت ستخسر فرنسا لو تعاملت مع موضوع الشكايات الكيدية الموضوعة ضد مسؤول مغربي وفق الأوفاق الدولية والأعراف الديبلوماسية والتزمت بالاتفاقيات بين البلدان بدل هذه اللعبة المقيتة التي تشتم منها رائحة النفط والغاز الجزائريين؟ كان مفروضا أن تلتزم فرنسا الدولة الديمقراطية، بالاتفاقيات الموقعة مع المغرب، وبما أن فرنسا لم تحترم اتفاقيات التعاون القضائي مع المغرب فإن هذا الأخير كان ملزما بتعليق العمل بها، قصد مراجعتها والجواب عن سؤال مهم: ما الفائدة من اتفاقيات للتعاون القضائي إن لم تكن سارية المفعول؟ الأعراف الدولية كانت تفرض في فرنسا أن تتعامل مع موضوع الشكايات عن طريق انتداب قضائي بدل "الهمرجة" السينمائية التي قامت بها عبر إرسال سبعة من رجال الشرطة إلى إقامة السفير المغربي بباريس قصد استدعاء مسؤول مغربي وكان بالإمكان القيام بهذا العمل بأساليب راقية تخضع لاتفاقيات التعاون القضائي. ومعروف عن المغاربة أنهم أهل عمل وليسوا أهل ترف فكري وكلام وخطابات ووثائق وغيرها، وبالتالي فإن تعليق العمل الاتفاقيات المذكورة هو قول سديد بأن المغرب يركز في علاقاته الدولية على الجوهر وليس على الشكل. فالرسالة واضحة. المغرب ليس "خضرة فوق طعام" في العلاقات الدولية. وليس البلد الذي يمكن التلاعب بسيادته. وفرنسا تعرف جيدا أن المغرب مهم جدا في شمال إفريقيا والساحل والصحراء. والبعض من فرنسا هم من يجهلون، بفعل عدم المعرفة أو بفعل المال الجزائري، أن المغرب يتوفر على معلومات أمنية هامة تتعلق بالإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات وتهريب الأموال وبدون هذه المعلومات لا يمكن لفرنسا أن تواجه هذه الإشكالات.
النهار المغربية