عندما تضيق بهم السبل، يستلون من العدم خافيير بارديم. بين “تورناج” وآخر، يقنعونه بأن يخرج رأسه من بين فخذي بينيلوبي كروز، وأن يسافر جهة الجنوب، أن يلتقي بالقيدومة المسنة فيكتور أبريل وأن يرحلا معا إلى هيئات التحرير في إسبانيا وفرنسا لكي يذكرانها بأن “الاستعمار المغربي لا زال جاثما على صدر الصحراء”.
ينسى السيد بارديم، وهو ممثل من الطراز الأول الرفيع، لكنه سياسي جد متخلف، أن في المغرب أناسا يشاهدون السينما بكثرة لأن القاعات تقدم آخر ما تنتجه هوليود وغير هوليود، وأن الأمر لا يتحقق بنفس الوفرة في الجزائر الداعمة أولا، أو في مخيمات الاحتجاز ثانيا. ولا يعرف السيد بارديم أننا حتى وإن لم نذهب إلى قاعات السينما فمن الممكن أن نحمل آخر إنتاجات العالم عبر الأنترنيت وأن نشاهدها، وهي نعمة بسيطة توجد في الولايات المتحدة وتوجد في الغرب وتوجد في المغرب، لكنها لا توجد في الجزائر وطبعا لا توجد في تندوف.
لماذا؟
لأن المغرب رفع يده عن الأنترنيت وحريته منذ سنوات، ولأنه يستعد للانتقال إلى الجي 4 في الوقت الذي لازال جنرالات الجزائر -دون الحديث هاته المرة عن تندوف- يتساءلون: “هل يجوز أن نطعم شعبنا حرية الاطلاع على مايجري في الشبكة؟ أم يلزمنا أن ننتظر إلى أن ينقرض الأنترنيت وتكتشف البشرية شيئا آخر يعوضه لكي نسمح له بالدخول إلى أراضينا الجميلة؟”
ينسى من يريد أن يتعاطف مع البوليساريو أن بينيلوبي منشغلة عنه بما هو أهم هاته الأيام، أن المسألة ليست قضية استعمار أو تصفيته أو سحابا يلد أبناء غير شرعيين ويسمي بهم فيلما لن يراه أحد في الختام. الحكاية كلها تبدأ وتنتهي حين نتحدث عن الحرية وحين نؤمن بها، وحين ندافع عنها بالبحث أولا عن المكان الذي تنتهك فيه هاته الحرية.
وفي حالة بارديم أوأبريل أو غيرهما من النجوم الذين يحيون بين دولاراتهم الكثيرة وبين أحضان الجميلات والوسيمين المحيطين بهم، وبين جرعات الكوكايين المستنشقة دوما للحفاظ على القدرة على مسايرة إيقاع الشو بيز القاتل، يكون صعبا أن تعثر على القضية الصحيحة لكي تدافع عنها إنسانيا، ولكي تكفر عن ضميرك المليء بكثير التأنيب بسبب ابتعادك عن عالم الناس الحقيقي, وعيشك في عالمك المخملي، اللطيف، الجميل الذي لا تخرج منه إلا لكي تقوم تحت أنظار الصحافيين بواجبك الإنساني أو الإشهاري، الأمر سيان، ثم تعود.
تفعلها مادونا قبلك وهي تتبنى صغارا من مالاوي، تلتقط بهم الصور وتعرف الفرق بين جسدها الأبيض جدا وبين أجسادهم التي لوحها الفقر قبل الشمس، ثم تذهب إلى صديقها الجزائري الذي يصغرها بعشرات السنوات من أجل استعادة هرمونات لم تعد لها. وتفعلها الباذخة أنجلينا جولي وإن استأصلت ثديها مع الصغار الذين تبنتهم هي وبراد بيت من كل أنحاء إفريقيا أمام كل عدسات الكاميرا، ويفعلها الآخرون، ويفعلها طبعا خافيير بارديم، وإن كان الرجل قد اختار الابتعاد عن الإنسانية من أجل تبني السياسوية في أسوأ مشاهدها: مشهد التعاطف مع قضية لا يعرف عنها إلا القليل.
في بداية التسعينيات لم يكن بارديم يعرف شيئا عن البوليساريو أو الصحراء. في بداية الألفين لم يكن قد بلغ إلى سمع زوج بينيلوبي أن هناك شعبا من المربح إعلاميا أن تتاجر بقضيته في بلاتوهات القنوات وعلى صفحات الجرائد. فقط سنة 2008 علم الرجل بوجود هذا الشعب، وهاته القضية. سمع بالأمر في مدريد خلال زيارة رفقة بينيلوبي إلى هناك، وقال له “الأكتيفيستاس” إن المشهد المخملي الإسباني يرتاح كثيرا للنجوم الذين يتعاطفون مع هاته القضية بالتحديد، لذلك تبناها، وحين أراد إنجاز فيلم عن “القضية” وجد قربه أميناتو حيدر لكي يجعلها بطلة العمل، ولكي يمنحها الفرصة التي لطالما حلمت بها: أن تمثل حقيقة بعد أن ظلت تمثل لسنوات في مجال الهواية فقط.
حقيقة جلب عليها تمثيل الهواية تعويضا خرافيا من الدولة المغربية استلمته باعتباره جبر ضرر لها وهي المواطنة المغربية. وحقيقة جلب لها هذا التمثيل جواز سفر تتمكن من السفر به، لكنها كانت تريد التمثيل الفعلي بعد أن مثلت تمثيل الهواة، لذلك اصطحبها بارديم إلى سحابه وشخص بها أبناء الحرام الذين لا يعرفون هوية آبائهم في المخيمات، والذين ينسبون أنفسهم كل مرة إلى جهة معينة.
شيء آخر إضافي من بين أشياء كثيرة، أساء للقضية مثلما يتصورها بارديم والرفاق هو تلك الكذبة الشنعاء التي أطلقها حين ادعى على لسان سفير فرنسا في واشنطن كلاما نفاه الرجل، ونفته باريس ونفته واشنطن.
القضايا العادلة تتطلب الصدق في الدفاع عنها، والتميز في الأدوار يتطلب بالإضافة إلى حفظ النص الصدق في أدائه.
في هاتين النقطتين خان الصدق خافيير، وتسلطن عليه الكذب. لن ينال “الغويا”، ولن ينال “السيزار”، ولن تعطيه الأكاديمية طبعا “الأوسكار”. فأداؤه مهلهل جدا، والمشاهد لم يتعاطف معه لأنه أحس بابتعاده تماما عن الإحساس بالدور، والسيناريو غير مكتوب نهائيا، أما المونتاج فلايوجد والسلام.
إلى فيلم آخر سيد بارديم. لاحاجة تستحق الحكي، لذلك أعد رأسك إلى الفخذين ودفئهما، وانتظر أبناء غير شرعيين آخرين رفقة السحاب.
إلى فيلم آخر سيد بارديم.