شاءت الأقدار أن تتزامن الزيارة الملكية، التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لأربع دول من إفريقيا، مع احتفال الدول المغاربية بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس اتحاد المغرب العربي، والذي كان الهدف منه هو تكوين قوة اقتصادية إقليمية لمواجهة غول الاقتصادات الكبرى، وكذلك تعزيز أواصر القربى بين شعوب المنطقة نظرا لما يجمعها من ثقافة وتاريخ وحضارة. وإذا كانت هناك من دلالات يمكن استخلاصها من الحدثين هو أن المغرب العربي الذي تشبث به المغرب وقدم التنازلات من أجله لا يمكن أن يستقيم مع النزعات التخريبية لبعض مكوناته. وبينت الوقائع أن الممارسات داخل الاتحاد لم تكن في مستوى التطلعات إن لم نقل إنها كانت تسير عكس التيار في ظل أنظمة دكتاتورية لا يهمها شعوب المنطقة. ولن يتحقق حلم المغرب العربي الكبير في ظل حكم العسكر في الجزائر، وفي ظل القلاقل التي تعرفها ليبيا بعد انهيار نظام العقيد معمر القذافي، وفي ظل حالة الترقب التي تعرفها تونس، وفي ظل إرهاصات بناء الدولة في موريتانيا، بما يعني أن المغرب العربي كان في حاجة إلى حركة ذات جناحين، فباستثناء المغرب الذي بنى الدولة منذ وقت بعيد فإن تأسيس اتحاد المغرب العربي كان ينبغي أن يخضع لمنطق البناء الديمقراطي لمكوناته وبناء أسس اتحاد ديمقراطي. والمغرب بحكم موقعه الجيوسياسي وبحكم ارتباطاته الدولية والقارية والإقليمية لا يمكن أن يبقى في غرفة الانتظار على أمل أن تصلح تلك الدول نفسها وتتحول من حالات مشتتة إلى دول ذات طابع ديمقراطي قادرة على اتخاذ قرارات مسؤولة، ولا يمكن أن يبقى في غرفة الانتظار حتى تبني هذه الدول ديمقراطيتها ومؤسساتها، ولا يمكن للمغرب أن يبقى في غرفة الانتظار حتى تتمكن هذه الدول من صناعة موقعها الإقليمي لتكون قادرة على اتخاذ القرارات المستقلة والمعبرة عن مواقفها المستقلة، ولا يمكن للمغرب أن ينتظر حتى تفهم هذه الدول أن التكامل هو الحل لبناء قوة إقليمية سياسية واقتصادية قادرة على المنافسة الدولية. ولكل ذلك وحتى لا يبقى المغرب رهين هذه العلاقات البئيسة نوع كثيرا في علاقاته الدولية والقارية والإقليمية، فاستمر في ارتباطه الاستراتجي بأوروبا وأمريكا على أساس أن المغرب هو جزء من المنظومة الليبرالية الدولية، كما نوع في علاقاته مع آسيا حيث اتجه نحو الصين والهند وروسيا، وفتح المغرب بعض الأسواق في كندا. وكل هذه العلاقات لم تنس المغرب عمقه الإفريقي ولم تنسه جذوره في القارة السمراء، حيث لا يمكن للمغرب أن يحقق ازدهاره إلا بالتغلغل وسط هذه القارة، فالمغرب شجرة جذورها في إفريقيا وفروعها في أوروبا وفي العالم كما قال الملك الراحل الحسن الثاني. وليس غريبا أن يكون اهتمام المغرب كبيرا بالمهاجرين الأفارقة وتمكينهم من الوضعية القانونية. ومن هذا المنطلق تأتي الزيارة الملكية إلى دول إفريقيا والتي تنطلق اليوم من دولة مالي التي ترتبط بالمغرب بعلاقات ثقافية ودينية وعسكرية وسياسية.