وفي مواجهة العزلة عن رياح التغيير التي تهب على المنطقة، وطموحات الشعب الجزائري للتحرر من القيود التي تفرضها عليه مؤسسة سياسية أمنية منشغلة بضمان بقائها، تعالت أصوات ما لا يقل عن خمس منظمات غير حكومية، من بينها (هيومان رايتس ووتش)، والعفو الدولية (أمنيستي)، لتذكير الجزائر بالتزاماتها في إطار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تعتبر الجزائر عضوا فيه. وهي مفارقة لا يمكن بأي شكل تفسيرها.
ولأسباب وجيهة، أكد المدير المساعد لمنظمة (هيومان رايتس ووتش) المكلف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، إيريك غولدشتاين، أن "الجزائر تعتبر البلد الوحيد في المنطقة الذي يفرض قيودا على منظمات حقوق الإنسان، في وقت نزور فيه بانتظام كلا من المغرب وليبيا وتونس دون أية عراقيل".
وكانت هذه المنظمة الحقوقية قد أدانت، في بلاغ صحفي صدر مؤخرا، "التكتيكات المستعملة من قبل السلطات الجزائرية للتضييق على النشطاء النقابيين خلال الإضرابات والمظاهرات السلمية أو الاجتماعات".
وأبرزت المنظمة أن السلطات الجزائرية "منعت مظاهرات واعتقلت بشكل تعسفي مناضلين نقابيين، كما تابعت بعضا منهم في المحاكم بسبب ممارستهم السلمية لأنشطتهم النقابية"، مذكرة بأن "الشرطة فرقت بعنف، يوم 29 شتنبر الماضي، مظاهرة سلمية نظمت أمام مقر الحكومة بالجزائر العاصمة من طرف اللجنة الوطنية لعمال عقود ما قبل التشغيل، وقامت باعتقال حوالي 20 من المتظاهرين قبل إطلاق سراحهم في وقت لاحق".
وفي هذا الإطار، دعت (هيومن رايتس ووتش) السلطات الجزائرية إلى الكف عن وضع "عراقيل" أمام تأسيس النقابات المستقلة، وكذا أمام تنظيم والمشاركة في المظاهرات السلمية والإضرابات عن العمل.
كما أدانت المنظمة المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان "صمت" المسؤولين الجزائريين، موضحة أنها بعثت رسالة إلى وزيري العدل والداخلية طالبت فيها بالحصول على معلومات حول بعض الأحداث والحالات المحددة، التي يبدو أن السلطات الجزائرية انتهكت فيها حق نقابيين وعمال في المشاركة في أنشطة نقابية سلمية.
وأضاف بلاغ المنظمة الدولية أنه "بعد حوالي خمسة أشهر من ذلك، لم يرد بعد الوزيران على الرسالة".
وتابع البلاغ أن "السلطات الجزائرية تلجأ إلى بعض المناورات الإدارية الرامية إلى عدم تسوية الوضعية القانونية لبعض النقابات المستقلة"، معتبرة أن "قانون النقابات الساري المفعول يفرض على هذه المجموعات إشعار السلطات بوجودها فقط، دون طلب الترخيص من أجل التأسيس، لكن السلطات ترفض أحيانا تسليم وصل الإيداع الذي يدل على أنه تم إشعارها".
وأعربت (هيومان رايتس ووتش)، التي نقلت تصريحات مدير منظمة العفو الدولية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيليب لوثر، عن الأسف لكون "الجزائر، التي انضمت إلى مجلس حقوق الإنسان، منعت المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب وفريق العمل حول الاختفاء القسري أو غير الطوعي من ولوج أراضيها بالرغم من طلباتهم المتكررة".
وفي سياق متصل، انتقدت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان موقف السلطات الجزائرية "المناهض لكل مناقشة لسجلها في مجال حقوق الإنسان، بالرغم من أنها عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
ويرى جيريمي كينان، الباحث في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية، التابع لجامعة لندن، أن أي تحقيق معمق في انتهاكات حقوق الإنسان بالجزائر لن يكون ممكنا دون تغيير جذري بهذا البلد.
و م ع - فؤاد عارف