لدينا سؤال معلق الإجابة ونراه مهما في الوقت الراهن. لو تجاوز القضاة الأمر الإداري بمنعهم من الخروج في مسيرة السبت للاحتجاج أمام وزارة العدل، ولو ركبوا رأسهم وخرجوا ببذلاتهم، ولو وقع أثناء الخروج اصطدام مع فئات أخرى لها مشاكل مع القضاة، فمن سيتحمل المسؤولية آنذاك؟ وأي دور سيكون للقضاة في الحماية القانونية للحريات؟ أليس الجسم القضائي هو الضامن للحقوق؟ أليس في خروج القضاة إلى الشارع اعتداء سافر على البذلة المفروض فيها حماية من يلجأ إليها؟ ومن سيحكم على القضاة لو خالفوا القانون؟ في حالات مماثلة توصلت هيئات معينة بالمنع لاعتبارات أمنية وتحدت القرارات الإدارية ووقعت الكوارث أو ما يشبهها، وتم تقديم المعنيين بالأمر أمام القضاء ليقول كلمته في حقهم، وكان القضاة هم الضامنين للحق، سواء للحق العام أو حق الأشخاص في التعبير، وكان القضاة هم من حكموا على برلماني بالجنوب بعد قيامه بتحدي قرار إداري بمنع مسيرة تحولت إلى مواجهات عنيفة وأدت إلى كوارث، وتم تجريد البرلماني من عضويته في مجلس النواب، وتم كل ذلك برعاية قضائية. من ألطاف الله أن القضاة لم يخرجوا، سواء استجابة للقرار الإداري أو استجابة لنداء آخر، ومن ألطاف الله أنه تمت حماية القاضي من البهدلة التي يمكن أن تحصل في حالة خروجه للشارع لابسا بذلته التي تزعزع أركان المحكمة. البذلة التي تدل في كل دول العالم على الهيبة. البذلة التي تقول للناس هناك على الأقل ملجأ يمكن أن تلجؤوا إليه في حالة الضيم والحيف ومن أجل إحقاق الحقوق ونيلها. البذلة التي ترمز للعدل كما ترمز للسمو. ونزولها للشارع إنزال لها لمجال الصراع بين الخير والشر وبالتالي سقوطها في الابتذال. بذلة القاضي ترمز للسمو والرفعة بما أنه يلبسها أثناء عرض المتهمين عليه وأثناء وقوف المتقاضين أمامه. فهو يبقى فوق الجميع. ليكون حكما بينهم وفيصلا في الحقوق. قد يعترض علينا معترض ويستشكل علينا مستشكل ويقول إن هذا تقييد لحرية القاضي وضرب لحق من حقوقه. نقول لهؤلاء نعم معكم الحق. إنه تضييق على القاضي. وهو موضوع جارٍ به العمل في كل البلدان. فالذي اختار أن يكون قاضيا عليه أن يتحمل مسؤوليات ذلك. فلماذا لا يُسمح لقضاة المحكمة الدستورية بإبداء أي رأي في أي موضوع مهما كان. 11 قاضيا محرومون نهائيا من الحديث. وهذا ليس خاصية مغربية ولكن في كل بلدان الدنيا. فالقول بعدم أحقية القاضي في الخروج إلى الشارع ليس حرمانا له لأنه يتوفر على أدوات وآليات ومسالك أخرى للتعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه. لنتصور أن القاضي خرج ببذلته التي يقاضي بها الناس. وأثناء خروجه تم الاصطدام مع فئات لها حسابات مع القضاة وتم ارتكاب مجزرة في حق القضاة أو وقع ما لا يُحمد عقباه. سنكون إبانها أمام كارثة لأن القاضي سيكون الضحية وسيكون ملزما بالحكم في النازلة. ماذا لو اختار القضاة طريقة أخرى في المطالبة بحقوقهم؟
النهار المغربية.