بوحدو التودغي
تنحو بعض الكتابات الصحفية نحو الجاهزية في اتخاذ المواقف والتخندق إلى جانب طرف دون تجشم عناء الاطلاع على موقف الطرف الآخر، وهو ما يفقد المقال الصحفي قيمته ويحيد عن المبادئ والأخلاق المتعارف عليها في مجال مهنة المتاعب..
هذا المنحى هو ما يطبع مقالا نشر بالبوابة الالكترونية لجريدة القدس يوم 28 يناير 2014، والذي عنونه صاحبه (المجهول) بـ" الجمهورية الصحراوية .. جرح نازف"، وتحدث فيه عن قضية الصحراء المغربية من وجهة نظره الخاصة، والتي تتماها مع موقف الانفصاليين.
مقال الصحفي المجهول يبدأ برواية لقاءه مع بعض الصحراويين في لندن، وهي رواية يريد من خلالها الكاتب ان يعطي الانطباع ان مقاله ينطلق من وقائع عاينها بنفسه، والحال ان الامر مجرّد لعبة اراد من خلالها صاحبنا ان يوهم القارئ بموضوعيته، والدليل على ذلك ما جاء في ثنايا المقال من مواقف زاغت عن الحقيقة، بعد ان اعتمد الكاتب على ما رواه له هؤلاء الانفصاليون وما يتم تداوله في الصحافة والأوساط المناوئة للمغرب، وهو ما يمكن ملامسته من خلال قراءة الصحافة الجزائرية المتخصصة في هذا الشأن.
ويتضح من خلال استهلال المقال بتصريحات هؤلاء الصحراويين (المفترضين)، ان الكاتب يريد ان يؤسس لموقفه من خلال اطروحة "العروبة" والقومية العربية، إذ ما الغرض من ذكره في البداية بأن "هناك اصرار منهم(أي الصحراويين المفترضين) للتأكيد انهم عرب اقحاح ربما اكثر من المغاربة"، وهو توجه يسير في نفس المنحى الذي عبر عنه "الصحفي" من خلال قوله "فوجئت من حجم العداء والضغينة التي يكنها هؤلاء تجاه المغرب، يتحدثون عن النظام المغربي كما يتحدث اي شعب تحت الاحتلال عَمن يحتله.." وهو قول يضمر في ثناياه "قضية الشعب الفلسطيني" وإن كان صاحب المقال لا يفصح عن ذلك.
ونحن نسال صاحب المقال، إن كان فعلا قد التقى بهؤلاء الصحراويين، هل يجوز اعتبارهم ممثلين لهذا "الشعب" الذي قال صاحبنا ان افراده يتحدثون عن النظام المغربي كما يتحدث اي شعب تحت الاحتلال عَمن يحتله..؟ والحال ان هناك شعب واحد بالمغرب وليس شعوبا، لأن "التميز" والخصوصية" التي قال صاحبنا ان محاوريه يتحدثون عنها، لا تصنع شعبا بل هنا شروط أخرى ومقومات ترتبط باللغة و التاريخ و الإقليم الجغرافي و القانون..وإلا فإن المغرب سيكون وفقا لمنطق الكاتب وحوارييه، مكونا من الشعب الريفي والشعب الصحراوي والشعب الامازيغي والشعب السوسي والشعب الجبلي والشعب..إلخ.
ونحيل كاتب المقال، في هذا الاطار، على دستور المغرب ليوليوز 2011، للإطلاع على مقتضياته التي حسم المغاربة من خلالها في مسالة الهوية والثقافة.
ثاني الاخطاء التي وقع فيها صاحبنا، في محاولته للتأسيس لهذا التمايز ومن تم للصراع في الصحراء المغربية، هو القول بأنه "على خلاف المغرب التي حافظت على علاقة خاصة مع فرنسا كانت الصحراء مستعمرة اسبانية، الامر الذي اسس لهذا التمايز والخلاف، وطبع بآثاره المشهد المغربي لعدة عقود لتبقى إلى الآن عصية على الحسم العسكري وعلى المبادرات السياسية.."، وهو قول مردود على صاحبه لأن اسبانيا لم تكن تستعمر الاقاليم الجنوبية للمغرب فقط، بل كان جزء من تراب شمال المملكة ضمن نفوذها الاستعماري، ورغم ذلك لم نسمع بمن يقول بالشعب الجبلي او الريفي ولم يقم احد بالمطالبة باستقلال هذا الاقليم عن الوطن الام، رغم ان هناك بعض الاغراءات التي قد تستهوي البعض والمتمثلة في إعلان محمد بن عبد الكريم الخطابي لجمهورية الريف في العشرينيات من القرن الماضي إبان صراعه مع المستعمر الاسباني.
ونحيل الكاتب بالمناسبة إلى الكتابات التاريخية الموضوعية التي كتبت عن اسباب ودواعي اختلاق هذا المشكل في اقاليمنا الصحراوية، ودور الجزائر وليبيا في التاسيس لما اصبح يعرف بجبهة البوليساريو، وذلك في استغلال وضيع لبعض الشباب المغاربة الثائرين على الوضع الاجتماعي والسياسي آنذاك، وهو شأن جلّ الشباب المغربي في تلك الفترة المتميزة بالثورات والخطابات الايديولوجية الشيوعية والاشتراكية في ظل ما كان يعرف بالقطبية الثنائية.
حديث الكاتب عن الدول التي سحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية فيه "إن" كما يقول المغاربة، حيث ان مضمون قول الصحفي يتماهى مع خطاب الجزائر والدوائر التي تسير في فلكها، حيث ورد في مقال الكاتب قوله :" معظم الدول التي سحبت اعترافها (بالجمهورية الوهمية خلال الفترة 1997 – 2011 ) هي عبارة عن دول صغيرة جدا او جزر معزولة باستثناء دول مثل مدغشقر وافغانستان وبيرو ويوغوسلافيا وكولومبيا وليبيريا والهند وكينيا"، ونحن نسأل الكاتب لماذا وقف في حدود 2011 ولم يساير الاحداث حتى بداية 2014، مادام المقال قد كتب في 28 يناير 2014؟ وعندها سيتبين له حجم الدول التي سحبت اعترافها بجمهورية الوهم، وعددها الحقيقي.
إننا نعتبر هذا الامر يدخل في إطار منهجية الكاتب الصحفي المجهول لتضليل القارئ وذلك من خلال اعتماد منطق "ويل للمصلين.."، إذ ان الصحفي المهني لا يكتفي باحصائيات قديمة اكل عليها الدهر وشرب، كما انه لا يعتمد على طرف دون آخر في بحثه عن الحقيقة، بل يعمد إلى تحديث معلوماته واستقصاء الافكار والمواقف التي تصدر عن مختلف الاطراف في أي قضية كيفما كان نوعها وطبيعتها، وذلك ليضع صورة تقريبية وأكثر موضوعية امام القارئ الذي تبقى له الكلمة الفصل والحكم في الاخير.
خطأ آخر سقط فيه الكاتب الصحفي المجهول، وهو متعمّد لا محالة مادام الهدف منه هو التوهيم والتضليل، حيث جاء في احدى الفقرات ان المغرب "يحتل جزء كبيرا من الصحراء بينما يسيطر البوليساريو على العاصمة مدينة العيون واقليم الساقية الحمراء بالاساس.." ! ونحن نسأله من اين اتى بهذه المعلومات؟ وهل يعرف جيدا خريطة المغرب ومواقع هذه المدن في الجزء الجنوبي من المملكة، ام انه من هواة الاستماع إلى إذاعة البوليزاريو التي لا تملّ في الحديث عن مدن السمارة والعيون والداخلة وبوجدور واوسرد بجمهورية الوهم.. كما لو انها حقيقة، والحال ان الامر يتعلق بمخيمات في جنوب غرب الجزائر قامت عصابات البوليساريو وصنيعتها الجزائر بتسميتها باسماء المدن الحقيقية الواقعة فوق التراب المغربي، وذلك لتضليل الراي العام الدولي، وهو الفخ الذي وقع فيه الصحافي المجهول، حيث انطلت عليه حيلة الانفصاليين وأصبح يردد اطروحتهم دون ان يكلف نفسه ولو لحظة واحدة عناء استقصاء الحقيقة.
ومن المغالطات التي اوردها الصحفي المجهول، وهي ادعاءات يقوم اعداء الوحدة الترابية للمغرب بالترويج لها، هو القول انه "تم اكتشاف مناجم غنية بالثروات الطبيعية في أراضي الصحراء الغربية ويقدر الفوسفات المكتشف بـثلث الاحتياط العالمي، اضافة الى وجود مناجم الحديد والنحاس وتتمتع الصحراء الغربية بأنها تتربع على أغنى حوض سمكي في إفريقيا.."، وهي معلومات وجب تصحيحها باللجوء إلى الدوائر المختصة في ذلك للوقوف على حجم هذه "الثروات" التي تحدث عنها الصحفي المجهول والتي لا يمكن بحال من الاحوال ان تصل إلى حجم ما جاء في ادعاءاته مقارنة مع ما تزخر به مناطق المغرب الاخرى، وكذا ما يصرفه المغرب من ملايير لتنمية اقاليمه الجنوبية دون اعتبار لما تزخر به او لا تزخر به من ثروات، لأن الامر يتعلق بتراب مغربي وبمواطنين مغاربة يعيشون فوقه ولا مجال للتمييز بينهم وبين باقي المواطنين بباقي المناطق الاخرى، لأن منطق المغرب النافع والمغرب الغير النافع قد ولى مع انجلاء المستعمر، وهذا ما لا تريد فهمه بعض الابواق الدعائية التي تتكلم نيابة عن الجزائر والبوليساريو.