أضيف في 02 فبراير 2014 الساعة 24 : 20
أصبحت بعض المنابر الصحفية متخصصة في نبش صور من الماضي، وتحديدا فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، واتخاذها وسيلة إما لبيع نسخ من أعدادها، وإما مطية للركوب على بعض المواضيع واستعمالها لتمرير رسائل وخطابات لمن يهمهم الأمر. والمشكل أن بعض من يقدمون على مثل هذا العمل ـ غالبا من دون مناسبة تذكرـ لا يعرفون أن ظروف حكم الملك الراحل الحسن الثاني كانت ظروفا استثنائية وصعبة في آن واحد ،حيث أنه تقلد الملك في فترة كان فيها المغرب والمغاربة يبحثون عن أنفسهم ومنهمكين جدا في وضع أسس الدولة الحديثة ، وفي وقت كانت فيه المؤامرات تحاك من الخارج مستعملة أيدي محلية بغرض إسقاط النظام، من دون أن ننسى أن الحسن الثاني رحمه الله تبوأ الحكم وهو شاب وفي البلاد رجال الحركة الوطنية وما راكموه من تجارب وخبرات، مما يدفع إلى القول أن تجربة الحسن الثاني فريدة فرادة الظروف التي أنتجتها : الملك الراحل عاش ثلاث محاولات انقلابية دموية، وواجه حروبا معلنة وأخرى غير معلنة مع الجارة الجزائر التي استعملها متزعمو ما كان يسمى ب"المد القومي التقدمي" بغرض إسقاط النظام الملكي في المغرب.. ومع ذلك يتمكن هذا الملك في مثل هذا الوضع أن ينتج فكرا سياسيا ونموذجا ديبلوماسيا فريدا ما زال السياسيون والديبلوماسيون يغرفون من معينه إلى اليوم، وفي نفس الوقت خلف منجزات عديدة ، مثل السدود التي جعلت المغرب في مأمن من مخاطر السنوات العجاف التي عرفها ، كما أنه أنتج مسيرة فريدة من نوعها في التاريخ شارك فيها عشرات الآلاف من المغاربة ، رجالا ونساء، من أجل تحرير الأقاليم الجنوبية المغتصبة بدون إراقة قطرة دم واحدة . مدرسة الحسن الثاني السياسية كانت تدعو معارضيه للحوار العقلاني الجاد والمسؤول ، كان الملك يستمع فيها إلى مختلف الأفكار والطروحات ولو كانت تختلف وتتناقض مع أفكاره وطروحاته. لكنه لم يكن يقبل المساس بقيم ومصالح الوطن العليا . وكل من جالسوه وحاوروه يشهدون بذلك. إن حديثنا عن الملك الراحل ، الملك الشامخ الحسن الثاني وتجربته في الحكم والسياسة وإدارة الأزمات، يفرضه هذا الكم المتواتر من استعمال واستغلال هذا الرمز الوطني في غير محله وبدون مناسبة كالحديث عن لباس الحسن الثاني وأكله ونومه ، وكيف نجا من هذا الانقلاب وذاك و.. و... مما يعني أن هذه المنابر لا تبحث عن الأخبار والتحاليل بل البحث عن الإثارة من أجل الرفع من مبيعات أعداد نسخها. حين كان الحسن الثاني يجالس زعماء ووطنيين من طينة علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة وغيرهم ، ويناقش معهم كل ما يتعلق بأحوال البلاد والعباد، فإن هؤلاء كانوا يتكلمون مع الملك عن معرفة وقناعة وغيرة . كانوا أصحاب فكر ورأي وموقف ولا ينتظرون أن تملى عليهم القرارات من أي جهة ، ولم يكونوا يترددون في قول "لا" حين تكون هذه "لا" ضرورية وفي مصلحة الوطن ، وليس مثل من سقط بهم السقف يعارضون كل ما هو ملكي فقط لأنه ملكي، أو مثل من ينطقون باسم أجندات توجد لدى جهات "إخوانية" أو " وهابية" هنا وهناك . فأي مصداقية لمعارضتهم ؟ وهل من يدعون "العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان" في مستوى أفكار ومواقف علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة وغيرهم وغيرهم وهم كثر؟ مثل هؤلاء كان لقولهم"نعم" معنى، وكان لقولهم"لا" أكثر من معنى. وإذا قالوا أمام الملك «نعم" أو «لا"،فإنهم يقولونها إخلاصا للوطن وغيرة عليه وليس نفاقا . لقد ابتلانا الله بشرذمة من أشباه السياسيين الذين منهم من يستقوي بالأجنبي ومن من له أسياد بالخارج يأتمر منهم ومنهم ومنهم ... كل هؤلاء هم الكراكيز السياسية التي تدعي التغيير.
|