في أفق تنظيم استفتاء لتقرير المصير بكاتالونيا ، المقرر إجراؤه يوم 9 نونبر المقبل، شرعت حكومة الإقليم الإسباني الذي يتمتع بحكم ذاتي في إجراء اتصالات على نطاق واسع بهدف الحصول على دعم لمشروعها الانفصالي عن إسبانيا . ويقود هذه الحملة الدولية رئيس الحكومة الكاتالانية ،أرتور ماس.
هذا التحرك يدل على أن المطالبين بالانفصال عن الوطن الأم إسبانيا يريدون تدويل القضية لوضع مدريد أمام الأمر الواقع، وجعلها تحت الضغط الدولي بهدف الاستجابة لمطالبهم وتحقيق رغبتهم في الاستقلال عن إسبانيا التي ترفض رفضا باتا أي مساس بوحدتها الترابية لدرجة جعلت مسؤولين سياسيين وعسكريين في مدريد يعلنون ، بشكل ، أن لا مجال لتفتيت وحدة إسبانيا ، وأنهم مستعدون للدفاع عن وحدة البلاد مهما كلف ذلك من ثمن .
لحد الآن ، هناك حديث عن دعم بريطاني واسكندنافي للكاتالانيين في مسعاهم . وقد يكون الدعم البريطاني مفهوما وله ما يبرره باعتبار النزاع القائم بين لندن ومدريد حول السيادة على صخرة جبل طارق . وكل طرف يزعم أن الصخرة تابعة له ، ويقدم الحجج والوثائق التاريخية على ذلك . لكن الدعم الإسكندنافي يبقى غير مفهوم بما فيه الكفاية إلا إذا اعتبرنا أنه دعم مبدئي يتعلق بتقرير المصير.وهو الموقف الذي ستهوي الاسكندنافيين كثيرا .
في مقابل هذا الموقف المؤيد لرغبة الكاتالانيين في الابتعاد عن مدريد وتشكيل دولة لهم بمنطقة كاتالانيا ، يعتبر موقف فرنسا وألمانيا مثيرا للانتباه ، حيث أن باريس وبرلين رفضا التدخل لفائدة الكاتالانيين وبالتالي دعمهم بأي شكل من الأشكال ، ربما من حرصهما وأيضا تخوفهما من أن يكون لانفصال كاتالانيا امتدادات في القارة الأوربية عموما وداخل بلدان الاتحاد الأوربي على الخصوص . أكثر من ذلك ، يرى الفرنسيون والألمان أن من شأن انفصال الإقليم الكاتالاني عن إسبانيا من شأنه أن يثير متاعب ومشاكل جديدة على صعيد العلاقات الأوربية التي من المؤكد أن خريطتها ستتغير بشكل ملموس ، فضلا عن أن هذه السابقة ستؤدي إلى تفتيت وحدة دول أوربية أخرى. ولا يظهر لحد الآن، أن أوربا قادرة أو لها قابلية لاستيعاب المزيد من الدول الجديدة.
يبقى اللافت في هذا الموضوع الأخبار التي تحدثت عن اتصال من طرف الكاتالانيين مع كل من الرباط والجزائر لطلب دعمهما في مسعاهم . وقد نشرت بعض الصحف خبرا يقول أن الحكومة الكاتالانية وجهت في هذا الصدد رسائل للمملكة المغربية والجزائر. وبغض النظر عن حقيقة هذا الاتصال الكاتالاني مع الرباط والجزائر ، من المفيد توضيح أن كاتالانيا تراهن كثيرا على علاقاتها المستقبلية مع المغرب على اعتبار أن الإقليم الإسباني يولي أهمية كبرى لعلاقاته مع الرباط التي يدخلها في إطار العلاقة الاستراتيجية . ومعلوم أن الاقتصاد الكاتالاني يعتمد بشكل كبير على المغرب . فكاتالانيا ، مثلا، تصدر ماقيمته ثلاثة ملايير أورو كل سنة للمغرب، وأن الكثير من المقاولات الإسبانية التي تستثمر في المملكة هي كاتالانية، يضاف إلى هذا الأهمية التي توليها كاتالانيا للجالية المغربية المقيمة بالإقليم التي تبلغ 250 ألف نسمة ، منهم نسبة كبيرة من المواطنين الحاصلين على الجنسية الإسبانية ، وهذا معناه أن لهم حق التصويت في الاستفتاء المنتظر حول تقرير مصير إقليم كاتالانيا . وهذا معطى هام لا يغرب على بال الكاتالانيين .
الأمر يختلف بالنسبة للجزائر،ذلك أن المسؤولين في إقليم كاتالانيا يعرفون هوى النظام الجزائري باعتباره محتضن للنزعة الانفصالية في أي مكان ،مما يسيل لعاب الانفصاليين الكاتالانيين الذين يرغبون في أن يحظوا بتأييد من الجزائر على غرار تأييدها لانفصاليي "البوليساريو".كما يعرف الكاتالانيون أن نفس النظام قدم دعمه للانفصاليين بجزر الكناري في سبعينيات القرن العشرين،ومنحه الملاذ والملجأ لمنظمة "إيتا" الباسكية.
إجمالا، الآلية الانفصالية في كاتالانيا بدأت في التحرك على مختلف الجهات والجبهات للحصول على ما يمكن من الدعم والتأييد لما تعتبرها قضيتها الأولى والمركزية.ومن المؤكد أن الحصول على الدعم من أي جهة لا بد أن يكون على خلفية المصالح الآنية والاستراتيجية للعواصم التي اتصل بها المسؤولون الكاتالانيون .