حميد زيد كود
أسمع وأقرأ دائما من يطالب بعودة المثقف.
ويقولون إن المثقف في برجه العاجي. وإنه منعزل عن الشأن العام. وإنه كذا وكذا، وقد كان في الماضي كذا وأصبح اليوم كذا، ويرجونه أن يظهر ويتدخل بعد طول غياب.
شخصيا، أتمنى ألا يظهر هذا المثقف، وأن يبقى مختبئا، لأن كلام المثقفين ومدعي الثقافة يسبب لي مغصا في المعدة وصداعا في الرأس ويجعلني أنتف شعري وأحك وأهرش لحمي.
وأشد ما أكره هو تحليلاتهم وفهمهم العميق للفرح والحزن والكرة، ولكل ما يكمن خلف المشاعر والمراوغات، وأتمنى صادقا أن ينقرض المثقفون من هذا البلد، لأن كل شيء تجاوزهم، وأصبحوا مثل ديناصورات تعيش بين ظهرانينا.
يوجد في الفيسبوك عدد لا يستهان به من الذين يستشهدون بالمهدي المنجرة والجابري والعروي وما جاورهم من أسماء، وهؤلاء عباقرة لا يشق لهم غبار، وهم الذين يطالبون دائما بعودة المثقف، وقد رأوا بعد الانتصار الذي حققه الرجاويون أن الكرة هي أفيون الشعوب، كما لو أن الأفيون متوفر، ويسهل الحصول عليه، ومن كثرة ثقافتهم استكثروا على الناس لحظة فرح ونشوة، وتمنوا أن نظل دائما متجهمين، كلما سجلت الرجاء هدفا أولناه وشككنا فيه، وربطنا بينه وبين الوضع في فلسطين والانقلاب على الإخوان في مصر واعتصام العاطلين عن العمل وقمع قوات التدخل للأساتذة.
إذا كانت هذه هي الثقافة وهذا هو الفكر، فمن الأفضل ألا تعود، وألا يعود أي مثقف، لأنه بإمكاننا العيش بدونهم وبدون نصائحهم وفهمهم وتحليلهم للعالم ولما يجري حولنا.
ثم من قال لكم أيها المثقفون أننا لا نريد أن ندوخ بالأفيون أو بغيره.
الدوخة أيها الأغبياء مكلفة وليست متاحة للجميع، وهناك من هو مستعد لدفع ثروة من أجل أن يدوخ وينتشي ويرقص ويفرح.
ولأنهم ينظرون إلينا من مكان عال، فقد شبعوا تحليلا في شعار جمهور الرجاء البيضاوي، وربطوا بين الوالدة واللعاقة والجماهير الكادحة والنظام المخزني، ولانعزالهم فعلا عن الواقع، فهم يجهلون جمهور الرجاء البيضاوي، وقدرته الرهيبة على السخرية، وذكاءه في المدرجات، والفراجة التي يقدمها، والتي تفوق إنجاز اللاعبين في الملعب.
أنا مع أن يبقى المثقف المغربي صامتا إلى الأبد..لأن مثقفا لا يفهم في كرة القدم لا يعول عليه ويكفي معرفة الأموال التي تصرف في عالم الكرة حتى يهتم بها المثقفون والشعراء والصيادلة والأطباء والفلاحون والفقهاء، هذا دون الحديث عن المتعة والفرجة التي تمنحها الكرة، إلا أن المثقف حذر دائما وعقلاني وملتزم وجاد ومنتبه ومحروم من البهجة ومن مشاركة الناس أفراحهم المشتركة، ويحرص أن يبقى في صحو دائم، غير مخدر ولا سكران مثلنا نحن العوام والدهماء والسوقة.
رجاء لا تعودوا أيها المثقفون، ابقوا في أبراجكم ولا تبرحوها..نحن هنا، تحت، بخير، ونحييكم..تابعونا من فوق وانعزلوا.
فالمثقفون من معدن نادر وعيب أن يختلطوا بنا.