اعتبر خبراء عرب وأجانب في مجال التنمية الاجتماعية أن البلدان العربية التي شهدت "ثورات" تعيش حاليا حالة "حرجة" وتعاني من انتكاسات اجتماعية واقتصادية، وأوصوا بأهمية صياغة دساتير جديدة، كما بوجوب تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة الشعبية، وبناء توافق حول بعض المبادىء الأساسية.
وقال فريدريكو نيتو، مدير شعبة التنمية الاجتماعية في "الاسكوا" (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغريب آسيا التابعة للأمم المتحدة)، خلال حفل إطلاق دراسة "وعود" الربيع العربي: المواطنة والمشاركة المدنية في المسارات الانتقالية"، اليوم الثلاثاء، إن الانتفاضات العربية التي انطلقت منذ 3 سنوات أدخلت العديد من دول المنطقة في "حالة حرجة".
وأشار نيتو إلى أن "الحكومات، والأفراد وجماعات المجتمع المدني الجديدة التي ظهرت خلال الانتفاضات يعيشون جميعهم في مشهد اجتماعي وسياسي مختلف، تميزه مستويات جديدة من التعددية السياسية ومشاركة المواطنين. وأضاف "إلا أن هذا المشهد مهدد بسبب النزاع المستمر وعدم الاستقرار والفوضى الاجتماعية".
واعتبر أن "التغيير في الدول العربية يتطلب صياغة عقد اجتماعي ونموذج إنمائي جديدين يقومان على أساس النمو الشامل والعدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية".
وقال إن "مثل هذه الخطوة لن تكون سهلة"، لافتا إلى أن مجرد النظر إلى الأشهر الست الماضية في مصر، "يمكننا فهم مدى العاطفة، الخوف، والإحباط، على أمل أن تشهد عملية تحول ديمقراطي".
وتضيء الدراسة، التي أعدها قسم "التنمية الاجتماعية " في الاسكوا، على مجموعة من الاسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ساهمت في اطلاق شرارة الثورات الشعبية، كما تلحظ تحديات بناء التوافق والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وتحقيق عدالة انتقالية في فترة التحول السياسي والاضطرابات الامنية التي ترافقها.
واعتبرت مهى يحيى، رئيسة قسم "التنمية الاجتماعية بالمشاركة"، أن الهدف الأساسي للدراسة هو "النظر لأهم التحولات التي شهدتها الدول العربية بمحاولة للاستلهام من تجارب الغير".
وأوضحت لوكالة "الأناضول" على هامش حفل إطلاق الدراسة في مقر الاسكوا في بيروت ، أن الأمم المتحدة تسعى لتحديد الدعم الذي يتوجب تقديمه للدول العربية في هذه المرحلة، "بعد تحليل أوجه القصور والسياسات التي يمكن تغييرها او اصلاحها لاجراء عملية تغيير تلبي تطلعات المواطن العربي".
ورأت خلال كلمتها في الحفل، أن اهم التحديات التي تواجه الحكومات العربية في الوقت الراهن تكمن في "صياغة دساتير جديدة، تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وبناء توافق حول بعض المبادىء الأساسية".
ولفتت إلى أن الدول التي شهدت انتفاضات شعبية منذ ثلاث سنوات تعاني اليوم من "انتكاسات اجتماعية واقتصادية"، اذ تراجع متوسط النمو الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي في المنطقة العربية من 4.2% في العام 2010 الى 2.2% في العام 2011، كما ارتفعت نسبة البطالة ونسبة الشرائح السكانية الفقيرة والهشة في بعض البلدان، فيما توقف عدد كبير من الطلاب عن الذهاب الى مدارسهم بسبب النزاعات والاضطرابات الاقتصادية.
وبحسب الدراسة، فقد دمرت في سوريا أكثر من 2400 مدرسة حتى نهاية العام 2012، فيما تعطلت دراسة اكثر من 1.2 مليون طفل في ليبيا بسبب النزاع، اما في اليمن فما زال 90 الف طفل محرومين من التعليم، في وقت يُمنع 50 الف طفل من الوصول الى مدارسهم في محافظة عدن.
ودعت الدراسة من خلال سلسلة توصيات الى صياغة دساتير جديدة تشمل اكبر عدد من شرائح المجتمع، كما لايجاد مقاربة تنموية جدية تأخذ من العدالة الاجتماعية ركائز لها، "خاصة ان المقاربة السابقة لم تكن مجدية وادت لتفاوت كبير بين المجتمعات سواء عبر الثروات او الفرص او مؤشرات التعليم والصحة."
وحثّت على ضرورة وضع أطر لمشاركة المجتمع المدني، "على اعتبار أنه يمكن ان يلعب دور اساسي في عملية التغيير السليم".
وبحسب الدراسة، فان 27% من المستجوبين في تونس أرجعوا اندلاع ثورتهم للاوضاع الاقتصادية المتردية واعتبر 19% منهم أن فساد النظام هو من حرّك الشارع و19% لعدم وجود العدالة، فيما رأى 50% من المصريين ان الاوضاع الاقتصادية المتردية السبب الرئيسي لاندلاع الثورة المصرية واورد 27% منهم أسباب تتعلق ب قمع الحريات ومصادرة حقوق الشعب.
وتشدد الدراسة بشكل كبير على الدور الاساسي الذي لعبه المجتمع المدني في الانتفاضات العربية، في وقت سجل في اعقاب الانتفاضات ارتفاع هائل في عدد منظمات المجتمع المدني المسجلة، والمبادرات المدنية.
ففي تونس سجل ما يتراوح بين 7000 و 10,000 منظمة جديدة في غضون الاشهر العشرة الاولى التي اعقبت الانتفاضة، فيما تشكلت في مصر حوالي 300 نقابة عمالية مستقلة جديدة بعد اسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وقد تضمنت الدراسة عددا كبيرا من رسومات الغرافيتي التي كان لها دور مهم خلال انتفاضات الدول العربية، اذ اعتمدها الشباب العربي كطريقة للتعبير عن آرائهم بشكل حر ومستقل.
* وكالة أنباء الأناضول