بين دفتي التقرير الصادر عن «ترانسبارنسي الدولية» الأسبوع الماضي، والاحتفالات الكونية باليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا الأسبوع، ثمة خلاصات صادمة لما آلت إليه الأوضاع في بلدان «الربيع العربي» بعد قرابة ثلاث سنوات من انطلاق حركة الشارع في تونس وامتدادها لباقي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في تقرير منظمة الشفافية الدولية لا يخطئ القارئ هذه الخلاصة: بلدان «الربيع العربي» عرفت استشراء للفساد، أو على الأقل عجزا عن مواجهته، وقد كانت لرئيس الحكومة المغربية الشجاعة ليقولها بصراحة أمام وزرائه بعد عامين من تولي حزب العدالة والتنمية قيادة التجربة السياسية التي ولدتها حركة الشارع «علينا الاعتراف كحكومة مسؤولة بأن بلادنا لم تحقق التقدم المرجو في مجال محاربة الرشوة»
إنها لحقيقة صادمة للإسلاميين الذين تحركوا في شوارع الرباط والقاهرة وتونس… تحت شعار «إسقاط الفساد والاستبداد»، لكن الأكثر صدمة يأتي من مصر، فهناك أفسدت جماعة الإخوان المسلمين ثورة المصريين من أجل الديمقراطية، والجيش الذي تدخل لوقف الإستبداد الأصولي تماهيا مع مطالب الشارع المصري، يعيد، هذه الأيام، إنتاج الاستبداد الأمني والمحافظ باسم الدستور الجديد وقوانين التظاهر والإعلام..
وخسر السوريون مصداقية ثورتهم، وبدلا من أن يكون قتلاهم دماء من أجل الحرية والديمقراطية، حولتها التنظيمات الجهادية المتطرفة إلي دماء تثير المخاوف من إقامة دولة طالبان جديدة في بلاد الشام، حتى أن تجار المصالح الدوليين، الذين كانوا يريدون إسقاط نظام بشار الأسد بقوة السلاح، أصبحوا ينظرون إليه الآن كشر لا بد منه، ولثورة السورين كقنبلة تهدد أمن واستقرار المنطقة،
وفي تونس تقود حركة النهضة البلد نحو الانهيار الاقتصادي والأمني بعدما أغلقت عليه في ثابوت الإنسداد السياسي والتراجع المخيف في الحقوق والحريات، أما «حمقى الله» في ليبيا، فقد حولوا جغرافيا القبائل والعشائر وحقول البترول والغاز إلى ساحة فوضى يسود فيها القتل والإغتصاب، وتغير فيها الحكومات كما يغير المرء جواربة كل يوم.
لنقل إذن إن الإسلاميين، بسبب ضعف التجربة أحيانا أو بسب اندفاعة الاستبداد المتخفي في المشروعين الإخواني والجهادي في أغلب الأحيان، قد أضاعوا الموعد التاريخي لشعوب «الربيع العربي» مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكل ما انتظرت هذه الشعوب عقودا لتحقيقه أضاعوا فرصته في بضعة أشهر، ومع ذلك مازالوا قادرين على رفع عقيرتهم بصراخ المظلومية وتبشير مريديهم بالجنة، بعدما فشلوا في ضمان حتى الحد الأدني من الكرامة الإنسانية في الحياة على الأرض.