انتهت الأيام السينمائية لمراكش، تلك التي تحمل عن حق وصف ولقب “المهرجان الدولي للفيلم”، وسط متعة سينمائية أهدت نفسها لمن كلفوا أنفسهم عناء التنقل إلى القاعات السينمائية المراكشية من سينيفيليي المهرجان، وأهدت أيضا ليالي أخرى على هامش المهرجان لمن يذهبون فقط من أجل هاته الليالي، وأهدت دروسا سينمائية وفلسفية استدعي لها كبار حقيقيون مرة أخرى أكدوا أن هذا الموعد المراكشي أصبح قارا في أجندة عدد من أكابر السينما العالمية، وبرهنوا مرة ثانية على صواب الاختيارات الحضارية والفنية والثقافية للمغرب باعتباره الملتقى الأكثر أمنا وأمنا والأكثر استعدادا لاستقبال مثل هاته المناسبات.
ومرة أخرى سمعنا من يتحدث الحديث الجانبي الآخر عن مراكش سمعنا البعض يتحدث عن امتهان كرامة الصحافيين والفنانين المغاربة، علما أن العكس هو الذي حصل، وحكاية الحديث عن الصحافيين باعتبارهم كلا في مناسبات مثل هاته هو حديث جد كاذب، لأن الصحافيين أنواع، ولأن الفرق شاسع بين من يذهب لكي يشاهد الأفلام ويحضر الندوات ويتابع الدروس، وبين من يرابط أمام باب مقرات التنظيم من أجل الحصول فقط على دعوة كل يوم من أجل سهرة جديدة.
الفنان المغربي حظي خلال هاته السنة بتكيرم مستحق وكبير ومؤثر في شخص الكبير والقايد محمد خيي. الكل رأى في الأعين الشاكرة ل”سي محمد” شكرا جماعيا من طرف كل الممثلين المغاربة، حاضرين وغير حاضرين في مهرجان مراكش، لمن فكر في التكريم مرة أخرى, ولمن حرص على أن يكون الإسم المغربي حاضرا كل مرة في فقرة التكريمات، بعد حميدو ومجد الراحلين، وبعد البسطاوي السنة الماضية ومع خيي هاته السنة.
أيضا سجل الكل حضور عدد كبير من الفنانين المغاربة لهاته التظاهرة من بدئها حتى الختام، بل ربما عاب البعض على المنظمين استدعاء بعض من لا علاقة تربطهم بالسينما، لكن التبرير كان دائما جاهزا: يجب منح هذا الفن المغربي وهؤلاء الفنانين المغاربة الإحساس بأن مراكش هي أيضا مصنوعة من أجلهم، وأن مهرجانها هو مهرجانهم، وهذا الإشعاع الذي يتحقق له كل سنة خلال فترة انعقاده يجب أن ينعكس عليهم بالإيجاب.
وحتى أولئك الذين يستكثرون على فناننا لحظة التألق العابرة هاته، ولحظة المرور من سجادة حمراء تبدو له غير ممكنة في بقية أيام العام، ولحظة الوقوف أمام عدسات المصورين، (هؤلاء) ينسون أن الممثل المغربي والفنان بصفة عامة في البلد يجاهد بشكل شبه يومي في وطنه من أجل إثبات شرعية الفن هنا، ومن أجل الدفاع عن اختياراته الحياتية وكل ذلك في مناخ صعب غير متقبل للفرجة وغير مثقف من أجلها. لذلك لااعتراض نهائيا على لحظات السعادة التي يعيشها فنانونا في المهرجان، بل التنويه الكامل بها والمطالبة بتوفيرها لهم باستمرار.
دورة هاته السنة سجلت أيضا الحضور الكبير لنجوم عالميين اختاروا الرهان على مراكش السينمائي في لحظة محتقنة في المنطقة ككل، وقرروا أن يكون حضورهم رسالة قوية الدلالات على أنهم يساندون كثيرا المغرب في مساره الهادئ نحو الإصلاح وسط مناخ جد صعب، ذهبت ضحيته دول مجاورة وشبيهة بالمغرب، أصبح من المستحيل فيها إعلاء راية الفن نهائيا، بل أصبح من باب العبث الحديث عن سينما أو غناء أو مسرح فيها وهي تقتل أبناءها يوميا ولا تجد أي حرج في ذلك
لذلك قال الكثيرون من هؤلاء النجوم الحاضرين في المهرجان إنهم يعرفون وبشكل واضح صعوبة الوضع, وحساسية المنطقة، ويعرفون معنى المراهنة على المقاومة الحضارية والثقافية من أجل تقديم مشروع مضاد لمشاريع الجهل والتخريب والقتل والتدمير والاتجاه بالبلدان والشعوب والمجتمعات نجو الظلام التي تقترحها القوى الأخرى في الدول الثانية.
ولذلك أيضا عبروا عن استعدادهم لمواصلة دعم المغرب بكل الإشعاع العالمي الذي يتوفرون عليه، وبكل وسائل الاتشار التي يملكونها، مثلما حصل مع رئيس لجنة اتحكيم لهاته السنة الكبير مارتين سكورسيزي، ومثلما حصل مع آخرين غيره تقدمهم هاته السنة الكبير الآخر عادل إمام عبروا عن استعدادهم الكامل للتحول لسفراء للحظة مراكش الحضارية الكبرى هاته.
ثم لابد من كلمة ضرورية عن الجمهور المراكشي. ناس هاته المدينة وحدهم بالفعل يعرفون صنع البهجة وتصديرها إلى كل مكان، ووحدهم يتمكنون من خلال وقوفهم في صفوف طويلة يوميا من أجل الحصول على تذكرة مشاهدة الأفلام ومن خلال الوقوف الآخر ليلا من أجل مصافحة النجوم، من جعل هذا المهرجان ناجحا وبهذا الشكل المتميز، خصوصا وأن علاقة تآلف أصبحت تجمع المدينة بمهرجانها بشكل لم يعد قابلا للتجاهل نهائيا، وهو مايجعل الجمهور وسكان المدينة أول أسباب وعوامل تفوق مهرجان الفيلم الدولي في السير على السكة الصحيحة بالفعل نحو تسجيل المزيد من العالمية ومن تكريس إسمه دليلا على هاته القدرة الاستثنائية المغربية على إبداع المستحيل بخصوصية صنعت هنا.
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com