جمعة عبد الله
يقدم الكاتب سلامة موسى (1884-1958) حصيلة وخلاصة مصادره، التعليمية والتثقيفية والفكرية، من خلال تواجده الطويل في أوروبا، وتعرفه على أشهر رموز النهضة الأوربية الحديثة، وكذلك يعتبر الكاتب من الرعيل الأول الذي ساهم في نشر الفكر الاشتراكي، وتوعية الشعوب العربية، في نهضتها وكفاحها ضد الاستعمار والاستبداد، والمساهمة في النضال من أجل الحرية والاستقلال، وتحقيق الحياة الكريمة، ورفض قيود الاستغلال والظلم والطغيان، وقد ساهمت مؤلفاته القيمة في هذا التوجه النضالي، ونال تقدير واحترام الحركات السياسية التحررية، وأسهم في تثقيف الجموع المكافحة، بالوعي الاشتراكي، كسلاح فكري في مجابهة السلطات الحاكمة القمعية.
وكتاب (هؤلاء علموني) حصيلة من أفكار أشهر أدباء وفلاسفة أوروبا، الذين ساهموا بشكل فعال في النهضة الأوربية، وفي التطور العلمي والصناعي، وتعميق الوعي بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان بما فيها حقوق المرأة، ومهمة البرلمان والصحافة والأحزاب والحركات السياسية، وفي تطور الأدب والمسرح في الحياة العامة، لخلق تقاليد راسخة في الوعي الحر، ويتناول حصيلة تطور الفكر الإنساني الذي يؤمن بالإنسان. لقد فتحت أوروبا آفاق جديدة للكاتب، إضافة الى تعلم العلم والمعرفة، حيث وجد كيف تؤثر الحريات العامة في حياة الشعوب الأوربية، وكذلك شاهد ولمس دور البرلمان، في تتبع أعمال الحكومة ومحاسبة المقصرين، ولاحظ دور الصحافة الكبير في الحياة السياسية والعامة، وشاهد الحركات النسوية، ودور المرأة بأن تكون انسان حرا تشارك بفعالية في بناء المجتمع على أسس سليمة، وليس المرأة التي خلقت للبيت فقط، تختفي في العباءة والحجاب وظلم المجتمع، بل لها مسؤوليات كإنسان منتج تساهم في المسؤولية كالرجل.
عاش (سلامة موسى) سنوات طويلة في أوروبا، وشاهد التطور الصناعي في كل مجالات الحياة، كما شاهد الاستعمار وبطشه.
يضم الكتاب، عشرون شخصية لامعة، سجلت حضورا عظيما في الحياة السياسية والفكرية والثقافية والعلمية وهم :
1ـ فولتير (محطم الخرافات):
عاش حياته الفكرية والعملية، من أجل الحرية واحترام الانسان وكرامته وحرمته، وكافح ضد التعصب بكل أنواعه وأشكاله، ودعى الى روح التسامح والتحرر من القيود البالية، وغرس شجرة الديموقراطية في مؤلفاته الفكرية والثقافية، وتعرض الى السجن والنفي، وكان بالمرصاد لتسلط الكنيسة وخنقها للحياة العامة، رغم أنه كان شديد الإيمان بوجود الله.
2ـ جوته (الشخصية العالمية):
وهو الأديب العظيم، الذي ترك تراثا رائعا في الأدب والشعر، رغم ذلك فإن عبقريته وشخصيته الفذة، لم تقتصر على العلم والفكر، وإنما ركز على تكوين الشخصية (من حقي أن أعني بشخصيتي، هي أكبر من أدبي)، وحياته زاخرة في التعلم والاختبار والاستمتاع، في سبيل أن يكون رجلا ناضجا. ومن مآثره: الاتحاد الاوربي، قناة السويس .
3ـ داروين (عار العائلة):
أنت لا تعني إلا بصيد الكلاب واقتناص الجرذان، سوف تكون عار على نفسك وعلى عائلتك. بهذه الكلمات القاسية، صرخ بوجهه بغضب وشماتة أبيه. ولكن بعد مئة عام تحولت هذه الشتيمة والكلام القاسي، الى فخر الى بلده والى العالم ككل، من خلال كتابه المشهور (أصل الأنواع)، حيث كشف بالحقائق العلمية تطور النسل، الإنسان والحيوان والنبات، وحتى تطور المذاهب الدينية، في تقبل العلم.
4ـ فيسمان: (المؤلف الذي أفسد ذهني):
كان ثمة تنازع علمي مع نظرية داروين، من خلال كتابه المشهور (الجرثومة المنوية) ليعطي تفسيرا علميا، حول تطور النسل البشري من خلال خلاياه الجنينية المكتسبة والخلايا الوراثية.
5ـ هرنيك ابسن: (داعية الشخصية):
داعية التحرر، وتخلص الإنسان من القيود التي تقيد حريته واستقلاله، وكسر الجمود والتقوقع والخمول التي تمنع من أن يكون إنسانا حرا، وكما أنه مناصر عنيد للمرأة ومطالبة بكسر القيود التي تحجم المرأة وتجعلها حبيسة البيت، بدلا من أن تكون إنسان منتج لصالح المجتمع وتطوره.
6ـ نيتشه: (فتنة الشباب):
أديب من الطراز الأول، وهو لغوي وفيلسوف يكتب بلغة الأدب، لكنه يرتكب خطأ فادحا، بأنه يفضل أخلاق السادة على أخلاق عامة الناس، ولم يكن ديموقراطيا، بل عدوا للديموقراطية، وهذا ما يفسر إعجاب هتلر وموسوليني بأفكار (نيتشه)، وأنه يفضل النظام الفاشي، وحسب اعتقاده، بأنه أحسن وأفضل نظام للحكم، وله مؤلفات تدعم هذا الاتجاه.
7ـ ارنست رينان: (المطرود من الكنيسة):
حورب واضطهد من قبل الكنيسة، حتى منعت مؤلفاته وحرمت من قبل الكنيسة واعتبرت من المحظورات، نشأ ليتعلم من المدارس الدينية، لكنه ترك هذه المدارس واتجه الى دراسة الآداب والفلسفة وتعلم للغات، ومنها اللغة العربية، ودرس فلسفة بن رشد وترجمها الى الفرنسية، وكان يوصف بالملحد، وكان يضع الأدباء والفلاسفة والانبياء في صف واحد، في سبيل تربية الضمير الانساني، وسعى في حياته الى ترسيخ دين الحب وهذه رسالته العظمى .
8ـ دستوفيسكي: (ذكاء العاطفة):
مكانة وعظمة الأدب الروسي، عند الكاتب (سلامة موسى) بأن منزلته أفضل من الأدب الانكليزي والفرنسي والأمريكي، ويعتبر (دستوفيسكي) في مصاف الأدباء العباقرة والأفذاذ، وقد أعجب بشكل خاص في رواية (الأخوة كارمازوف) و(الجريمة والعقاب)، لعل حالة إلغاء تنفيذ عقوبة الإعدام في اللحظات الأخيرة، أثرت في مساره الأدبي، وأثرت في تفجر عبقرية الإحساس في أعماله.
9ـ هنري ثورو: (نداء الطبيعة ):
الكاتب الأمريكي، كان مثالا رائعا لغاندي، أخذ منه الحياة البسيطة، وتعلم أسلوب العيش البسيط، حتى أخذ من أفكاره، شعار الثورة الهندية ضد الاستعمار البريطاني: شعار (العصيان المدني) في سبيل الاستقلال الوطني. فكان الكاتب (ثورو) يعشق حياة الطبيعة بإحساس عميق، لذا اختص بدراسة الطبيعة من كل جوانبها .
10ـ تولستوي: (فيلسوف الشعب):
يعتبر تولستوي وغاندي ضمير الهند والعالم، وكلاهما صورتان لشخص واحد. من حيث البساطة وأسلوب العيش المتواضع، والتواضع في خدمة الفقراء، وكتب (تولستوي) عن أهوال وعذاب وشقى الحروب، رغم أنه توفى قبل الحرب العالمية الاولى .
11ـ فرويد: (تشريح النفس البشرية):
انخرط في الاكتشافات العلمية، التي تخص العقل الباطن أو الكامن، والايغال في العاطفة والجنس، وبأنهما يشكلان عاملا مهما في (اللذات البشرية) والتي تفرز العواطف الجنسية، وحازت مؤلفاته اهتمام العلم والفلسفة .
12ـ ليوت سميث: (أصل الحضارة):
اختص في دراسة خصوصيات حضارات العالم، بما تحمل من عادات وتقاليد وصفات مميزة تشتهر بها، ومن هذه الحضارات الحضارة المصرية .
13ـ هافلوك اليس: (الزواج الانفصالي):
مختص بشؤون علم الجنينات التناسلية والوراثية، وانعكاسهما على الجنين الوليد. كما تتبع تاريخ البغاء في الحضارات والأمم القديمة والحديثة، والفروق بينهم، وفق أقوال الفلاسفة القدماء والجدد، وله ست مجلدات بهذا الصدد .
14ـ جوركي: (الأديب المكافح:)
عاش حياته شريدا، يتنقل من حرفة الى أخرى، لسد رمق العيش وعاش ومعه مرض السل، وانخرط في الحركات العمالية السياسية، ويعتبر من المؤسسين للأدب الاشتراكي، ورواية (الأم) العظيمة، التي كتبت في عام 1907، خير دليل لهذا التوجه الاشتراكي المنحاز الى الفقراء والعمال، وتمثل صورة مشرقة لنضال العمال، كسر قيود الاستغلال والعبودية والفوز بالحرية .
15ـ برنارد شو: (رفيق حياتي):
يتحدث الكاتب عن الرفقة الطويلة مع (شو) ويشير بأن حياة الأديب العظيم، كانت بمثابة ورشة عمل انتاجية، لمختلف صنوف الأدب، وصاغ أكثر من أربعين مؤلفا، وهو داعية سياسية، يدعو الى الكفاح والنضال، وكان من المناصرين للفكر الاشتراكي، وساهم في مختلف التنظيمات الاشتراكية .
16ـ غاندي: (داعية الاستغناء):
لد غاندي إنسانا ومات قديسا، وهو يكافح في سبيل حرية الوطن واستقلاله، فكان مصدر قوته الفكرية، الانجيل والتوراة والقرآن وكتب الهندوكية المقدسة، وكان يدعو الى احترام ومحبة الأديان السماوية، وحمل الهندوكيين والمسلمين على المحبة والإخاء والتعاون، وبذلك رفع شأن السياسة الى القدسية، وبساطته وتوضعه وزهده، أعطته سمة العظمة، ويدخل في سجل عظماء العالم .
17ـ ويلز: (فيلسوف الصحافة):
مثلما عرف العالم عظمة (برنارد شو) الأدبية، عرف كذلك بعظمة (ويلز) الصحفية، بإضافة بأنه أديب مرمق، إلا أن الصحافة أخذت الحيز الأكبر من حياته، وأعطى للصحافة الصفة والمكانة العالمية ودورها الحيوي في المجتمع .
18ـ شفالتيزر: (صديق الزنوج):
رغم أنه أديب له مؤلفات في الأدب والفلسفة والاجتماع، فإن حياته كانت رحلة زاخرة بالعمل والكفاح، طالت أربعة عقود وهو طبيب يعالج المرضى الزنوج بالمجان، بل كان يجمع لهم التبرعات من أوروبا وأمريكا، وشيد لهم مستشفى، وترك الحياة الأوربية، ليعيش مع الزنوج تحت شمس أفريقيا .
19ـ جون ديوي: (فيلسوف العلم):
كان يكرس كل جهوده، أن يحول فلسفته بالاتجاه العلمي، وفق رؤيته (ليس الغاية من الفلسفة، أن تعرف أسرار الطبيعة، وإنما هي تستخدم قوى الطبيعة للتطور) .
20ـ ساتر: (زعيم الانفرادية):
الفلسفة الوجودية تعتمد على الوجود وحرية الاختيار، أي يكون الفرد حرا، في اختياراته للأشياء، لكن الانفرادية في هذه الفلسفة تجعل (كأن المجتمع ليس مسؤولا عن الفرد، ولا الفرد مسؤولا عن المجتمع) أي ان يختار الفرد أخلاقه بنفسه ولنفسه، لكن الإمعان بهذه الانفرادية، قد تنتهي الى الفوضى الاجتماعية والإخلاقية، إن إفرازات هذه الفلسفة، هي نتيجة رد فعل على التسلط والطغيان.