لدينا ثقة في العدالة الأميركية لأن الأمر يتعلق بممارسة شعيرة دينية وفقا للقانون
شهيرة عبد الله
وأكدت شهيرة عبد الله، إحدى العاملات المطرودات من جانبها أنها تأمل رفقة زملائها المطرودين في استرجاع حقهم القانوني. وقالت "لدينا ثقة في العدالة الأميركية لأن الأمر يتعلق بممارسة شعيرة دينية وفقا للقانون".
وأضافت قائلة "لست بصدد الدفاع فقط عن مجرد قضية طردي من العمل وإنما عن حقي في ممارسة ديني الذي يحميه القانون الأميركي".
القصة من البداية
وتروي شهيرة في مقابلة مع "راديو سوا" قصة طردها من العمل رفقة 23 شابا مسلما، منهم من يشتغل لدى شركة "دي أش أل" منذ أكثر من سبع سنوات.
وتقول شهيرة إنه في 9 أكتوبر/تشرين الأول وخلال وقت صلاة المغرب، ذهبت رفقة زملائها "إلى مسؤولنا المباشر وطلبنا منه أن نأخذ استراحة قصيرة للصلاة، لكنه رفض ذلك وجمعنا في أحد المكاتب لمدة تفوق 45 دقيقة، ثم جاء أحد المسؤولين في مصلحة الموارد البشرية، وأخبرنا أنه لا يحق لنا الصلاة، وإذا رفضنا الامتثال لهذه الأوامر، فعليكم إعادة شارات الدخول".
وأضافت أن قرار المسؤول كان صارما "لأنه رفض السماح لنا بالصلاة، ورفض منحنا حتى وقتا قصيرا لممارسة حقنا الديني. قمنا بعد ذلك بإرجاع شارات الدخول وعدنا إلى منازلنا".
وتابعت شهيرة قائلة "أشتغل في هذه الشركة منذ 15 شهرا ولم يسبق أن منعت من أداء الصلاة داخل مقر العمل. كانت هناك بعض المشاكل الطفيفة مع المسؤول السابق، لكنه كان متفهما لوضعيتنا، وكنا نؤدي الصلاة، غير أن المسؤول الجديد أراد أن يفرض علينا قوانين جديدة تمنعنا من الصلاة، مخالفا بذلك القوانين السابقة للشركة".
مسلمات أميركيات
وحمّلت المتحدثة ذات الأصول الصومالية المدير الجديد مسؤولية طردها رفقة زملائها، مشيرة إلى أن الشركة التي كانت توظفها لم تقف يوما ضد ممارسة المسلمين العاملين بها لشعائرهم.
وقالت "نحن نعتز بعملنا في هذه الشركة، إنها محترمة والعمل فيها رائع، لكن القوانين التي وضعوها والتي تشدد الخناق على المسلمين لممارسة حقهم لا يمكن أن تمر هكذا".
وكانت شركة "دي أش أل" قبل طرد هؤلاء العمال، تسمح لهم وفق رواية شهيرة، بأداء صلواتهم في وقتها، على أن يقتطعوا وقتها من المواقيت المخصصة للاستراحة الرسمية، أي كل ساعتين.
وقالت كارن دبدوب من جانبها إن الشركة كانت تمنح الوقت لعمالها المسلمين لتأدية الصلاة لسنوات طويلة، قبل أن تقدم على تغيير قوانينها الداخلية التي تسمح فقط بالصلاة في وقت الاستراحة. وقالت "قبل ذلك كانوا يمنحونهم بضعة دقائق، لأن الصلاة لا تأخذ أكثر من ذلك، كما أنهم كانوا يصلون داخل مقر الشركة".
أما شهيرة عبد الله، فتقول إن العاملين المسلمين ليس لديهم مكان خاص للصلاة، وإنما "كنا ننزوي في مكان بعيد نوعا ما عن حركة العمال ونصلي، وكل من يشتغل معنا بمن فيهم المسؤولين يعلمون بالمكان، ويشاهدوننا يوميا نصلي، ولا أحد تعرض لنا أو ضايقنا".
الشركة تنفي والمطرودون يصرون على المتابعة
غير أن شركة "دي أش أل" نفت في بيانين مقتضبين أن تكون قد طردت عمالا بسبب ممارستهم الدينية، مشيرة إلى أنها تضمن لعامليها حقوقهم وفق ما تقتضيه القوانين.
وأضافت الشركة في بيان ثان أشارت فيه إلى أنها تأخذ هذه المسألة بجدية ووعدت بفتح تحقيق لمعرفة حيثياتها.
وفي هذا السياق قالت كارن دبدوب إن الشركة لما أصدرت هذين البيانين لولا الاتصالات الكثيرة التي تلقتها من وسائل الإعلام، خصوصا أنها في بداية الأمر قالت إنه "ليس لديها أي تعليق عن القضية".
وأضافت أنه في هذا الموقف "لا يهم ما تقول الشركة، ولكن ما يهم أكثر هو التحقيقات التي تجريها اللجنة الأميركية لتكافؤ فرص العمل".
أما شهيرة عبد الله فقالت "لا أرى تصريحات الشركة منطقية، لأنه لا يمكن لـ 24 شخصا أن يكونوا كلهم مخطئين ويكذبون في حق المؤسسة، بعضنا اشتغل فيها لمدة ثمان سنوات".
وقد أثارت هذه الحادثة جدلا واسعا في الولايات المتحدة، وخصوصا في أوساط الجالية الإسلامية التي اعتبرتها نوعا جديدا من التضييق على المسلمين في ممارسة عقيدتهم، وأعادت إلى الأذهان ما يصفه مسلمو أميركا بالمضايقات والتحرشات التي كانوا يتعرضون لها مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
بالتأكيد المسلمون ما زالوا مهددين في أماكن عملهم ويتعرضون للمضايقات، وهذه القضية ليست الأولى
كارن دبدوب
وحول هذه المسألة قالت دبدوب "بالتأكيد المسلمون ما زالوا مهددين في أماكن عملهم ويتعرضون للمضايقات، وهذه القضية ليست الأولى".
وأضافت أنه في يونيو الماضي "حدث أمر مشابه لـ 18 عاملا في شركة "إكسل" تابعة هي الأخرى لـ "دي أش أل" في كولومبس أوهايو، وتم رفع شكوى أمام اللجنة الأميركية لتكافؤ فرص العمل، ومن المنتظر أن تصدر حكمها قريبا. هذا النوع من القضايا يزداد سنويا".
الأرقام في ارتفاع
ولاحظت اللجنة الأميركية لتحقيق تكافؤ الفرص في العمل في بياناتها زيادة معتبرة في عدد الشكاوى المتعلقة بالتمييز في مقرات العمل على أساس ديني، بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر، فيما سجلت غالبية الشكاوى من المسلمين والعرب.
وتوفر اللجنة على موقعها الالكتروني معلومات دقيقة حول القضايا التي يتم تسجيلها في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة حول التجاوزات المتعلقة بالممارسة الدينية في أماكن العمل، غير أن معظم البيانات لا تشير حصريا للقضايا الخاصة بالمسلمين، بل تشمل مختلف الديانات.
وحرصت اللجنة على تقديم تفاصيل وإجابات افتراضية على الحالات التي يمكن تسجيلها، خصوصا منها ما يتعلق بالتحرشات والمضايقات في حال التقدم إلى طلب وظيفة، أو خلال ساعات العمل، وكل الظروف المحيطة.
وفي هذا السياق قالت اللجنة في إحدى بياناتها تحت عنوان حقائق متعلقة بالتمييز الديني "إن المادة السابعة من قانون الحقوق المدنية لعام 1964 يمنع أصحاب العمل من التمييز ضد الأشخاص بسبب عقيدتهم الدينية أثناء التعيين، أو الفصل، أو أية نصوص أو شروط أخرى للتوظيف".
وتضيف "كما يتطلب القانون من أصحاب العمل أن يقدموا تسهيلات معقولة للممارسات الدينية لأي مستخدم، إلا إذا تسبب القيام بذلك في خلق مشقات عسيرة لصاحب العمل".
وأوضحت اللجنة على موقعها الالكتروني أنه في الأشهر الأولى بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر عرفت حالات التمييز في العمل القائمة على أساس ديني زيادة بـ 250 في المئة.
وأظهرت الأرقام التي قدمتها اللجنة أنه بين سبتمبر/أيلول 2001 وسبتمبر/أيلول 2012 تم تسجيل 1040 شكوى مرتبطة بهجمات سبتمبر.
ومن جانب آخر أوضحت أرقام اللجنة أن عدد الشكاوى المتعلقة بالتمييز على أساس ديني في العمل ارتفعت من 1709 حالات سنة 1997 إلى 3811 سنة 2012، علما أن هذه الأرقام تخص التمييز ضد كل الديانات، ولا تتوفر اللجنة على أرقام خاصة بالمسلمين فقط، إلا أنها عادة ما تشير في بياناتها إلى أن غالبية هذه الشكاوى تخص المسلمين.
مسلمون محميون
ورغم الحالات التي يتم تسجيلها سنويا في الولايات المتحدة حول التمييز في أماكن العمل، إلا أن العديد من المؤسسات الحكومية وأخرى خاصة، عادة ما توفر أماكن خاصة للمسلمين لأداء شعائرهم الدينية يوميا.
وقال سعيد بوكرشة الذي يعمل صيدليا في شركة "سي في أس" إنه عادة ما يقيم صلواته في مكان عمله، دون أن يتعرض له أحد من مسؤوليه.
وتظهر التقارير التي تصدرها بصفة دورية اللجنة الأميركية لتحقيق تكافؤ الفرص في العمل أن معظم الخلافات التي تقع بين العاملين ومسؤوليهم تتمثل في توقيت إقامة الصلوات، إذ يطلب بعض المدراء من المسلمين أدائها في وقت الاستراحة، الأمر الذي يرفضه بعض العاملين.
ويقول سعيد لـ "راديو سوا" إنه يحرص على تنظيم أوقاته بحيث يؤدي صلواته طيلة فترة المداومة التي تمتد أحيانا إلى 14 ساعة، بطريقة لا تؤثر على السير العادي لشغله، خصوصا أن الأمر يتعلق بصيدلية.
ومن جانبه يرى حمزة العالم الذي يشتغل من سنوات طويلة في متاجر "جاينت" في مريلاند أن مسألة تأدية الصلاة في أماكن العمل لا تطرح مشكلة بالنسبة إليه، طالما يعرف كيف يرتب وقته في العمل، كأن يستغل مواقيت الاستراحة لأداء صلواته.
ورغم أن كلا من سعيد وحمزة لا يملكان في مقر عمليهما مكانا مخصصا للصلاة، إلا أن ذلك لا يطرح إشكالا حسبهما، ما داما أنهما لا يجدا معارضة من قبل مسؤوليهما في أدائها.
ولم تعد إشكالية إقامة الصلاة في أماكن العمل تطرح لدى العديد من العاملين المسلمين، الذين توفر لهم الجهات التي يعملون بها أماكن خاصة للصلاة، وأخرى لا ترى مانعا في تأديتهم للصلاة في أي مكان داخل مقر العمل ما لم يؤثر ذلك على السير العادي للشغل.
ويحرص القانون الأميركي على حماية المسلمين مثل غيرهم في ممارسة شعائرهم داخل مقر العمل، وتشير التقارير إلى أن القضاء أنصف العديد من المشتكين، في حين قبلت العديد من الشركات في السنوات القليلة الماضية بتسوية خلافاتها المتعلقة بالتمييز على أساس ديني.
وكانت موظفة مسلمة تدعى أم هاني خان لدى شركة "أبركرومبي آند فيتش" الشهيرة للملابس قد نجحت في الأيام القليلة الماضية في الفوز بمعركة قضائية طويلة خاضتها مع الشركة بعد أن فصلتها من وظيفتها لأن "حجابها يتعارض" مع سياسة الشركة للمظهر العام.
حاصل على شهادة ليسانس في علوم الإعلام والإتصال من معهد الصحافة بجامعة الجزائر، إشتغل لمدة عشر سنوات في صحيفة الخبر الجزائرية، ومراسلا صحفيا من بورصة وول ستريت لقناة فرانس 24، إضافة إلى مراسل من الولايات المتحدة لإذاعة الجزائر الدولية.