لا أحد يريد أن يكون في مكان حكام الجزائر هاته الأيام. الأشياء تسير على غير هواهم، ولولا التأهل الظالم للمونديال على حساب بوركينا فاصو بعد أن فعل الحكم كل شيء من أجل إسعاد أصدقائه الجزائريين، لأعلن الجنرالات في المرادية ونواحيها الحداد حتى قبل أن يلاقي عبد العزيز بوتفليقة ربه بشكل رسمي، والآجال بيد الله على كل حال.
الولايات المتحد الأمريكية تعلن من قلب البيت الأبيض أن الحكم الذاتي الذي يقترح المغرب هو أكثر الحلول واقعية لحل مشكل الصحراء المفتعل.
يعرف العديدون أن أغلبية الجنرالات في الجزائر أصبحوا بدون شعر لكي يستلوه من أصله وهم يسمعون النبأ، خصوصا وأن الصفعة موجعة، ومؤلمة، ودالة على كثير الأمور. وحتى أساليبهم العديدة التي ارتكبوها في آخر لحظة من أجل التشويش على الزيارة الملكية الناجحة لواشنطن لم تنفع في شيء.
مضى ذلك الزمن الذي كانت الجزائر تدفع فيه للجمعيات الحقوقية لكي تقف في باب الإليزيه أو البيت الأبيض تزامنا مع أي زيارة ملكية مغربية إلى فرنسا أو أمريكا من أجل “الدفاع الكاذب عن حقوق الإنسان”، ومن أجل التباكي على حرية الصحافة. اليوم الكل يعرف من هو البلد الذي يسعى بكل قواه في المنطقة للحسم مع موضوع احترام حقوق الإنسان، ومن البلد الذي يفرض على شعبه رئيسا في حكم الميت لولاية رابعة.
واليوم العالم العربي كله يعرف من هو الحاكم الوحيد الذي فهم حكاية الربيع العربي، وأصر على ألا يسير عكس إرادة شعبه، بل اختار المزيد من الانفتاح لكي يدعم به المسار الانفتاحي الذي أطلقه منذ وصوله إلى الحكم. تماما يعرف العالم كله أن الجنرالات المترهلين في الجزائر حائرون في الطريقة التي سينصبون بها عبد العزيز إن استمر على تحنيطه القاتل هذا.
لذلك كنا فخورين ونحن نسمع عبارات التنويه من فم باراك أوباما بالتجربة المغربية في المنطقة ككل. لا نقولها كتلاميذ يتلقون تهنئة من أستاذ، ولكن نقولها كدولة عرفت كيف تجتاز منطقة مخاطر فعلية كادت تعصف بالمكان ككل، وأدخلت دولا إلى أتون المجهول اليوم (ليبيا، تونس، سوريا، مصر)، ولكنها مكنت المغاربة -بفضل الذكاء المشترك بين الملك وبين الشعب- من العثور على الحل الأفضل لتفادي السقوط فيما وقع فيه الآخرون.
اليوم نحن الأكثر تأهيلا في المكان كله لإعطاء الدروس، ونحن الأكثر قدرة على التنقيط للجيران ولغير الجيران في مجال احترام أي شيء، ونحن أيضا الأكثر قدرة على التواضع وعلى الاستماع وعلى مد اليد للجميع إذا كانت النية حسنة وحقيقية ومتوفرة من أجل حسن الجوار.
لم يسع هذا البلد يوما لخلق أي مشكل من أي نوع لأي من جيرانه. ويعلم الله أن التاريخ وصدفه الكثيرة منحتنا عديد الفرص للقدرة على الأمر، لكننا رفضنا لأننا آمنا على الدوام أن جهدنا يجب أن ينصب لما فيه مصلحة الناس هنا لا لما فيه ضرر الناس هناك أو في مكان آخر.
لكن الجيران لم يتعبوا، وأصروا على أن يجعلوا العمود الفقري لسياستهم المساس بنا، واختلاق الأعداء لنا، ومنحهم المال والزاد والعتاد من أجل أن يبقوا على قيد الحياة، ومن أجل أن يظلوا قادرين على الإساءة لنا دوما وأبدا.
لذلك وحين الانتصارات الحقيقية، مثل صفعة البيت الأبيض يوم الجمعة للجزائر والبوليساريو، لن نمل من قولها ولن نتعب من ترديدها: هاكم الحقيقة إذ تصدع بها القوى العالمية الكبرى، وتقولها لكم بكل الصراحة الممكن: نعم، الجزائر بلد بثروات كبرى، وبقدرة مالية جد متقدمة، لكن الرهان السياسي لن يكون إلا على المغرب لأنه الأكثر استقرارا، والأكثر اعتدالا، والأقدر على تجنب الحماقات باستمرار. وهذه المنطقة ملت الحماقات، من أكثرها تطرفا باسم الدين كذبا إلى أكثرها غباء مثل تلك التي تراهن على بناء دولة من عدم ولو على حساب كل شيء.
وهذا الرهان نحن مستعدون لحمله في المغرب لأننا نعرف أننا المؤهلون له دون من عدانا، ونعرف أن الحكمة التي منحتها صدف الحياة لهاته المنطقة الموجودة بين كل المناطق هي التي يجب أن تحكم المكان الجغرافي وهي التي يجب أن تحكم العقل السياسي إذا ما أرادت المنطقة النجاة من المقالب المجهزة لها منذ سنوات.
تلك المصافحة اليدوية الحميمة بين إبن شيكاغو وبين ملك المغرب، وتلك الابتسامة الصريحة الواضحة الصادقة، وذلك الخطاب الذي يقول بكل الوضوح التأييد الأمريكي لمشروع المغرب في المنطقة، كلها أشياء التقطها الناس من الزيارة الأمريكية لجلالة الملك، وكلها أشياء قالت لنا مرة أخرى إن البلد على الطريق السليم, وأنه اختار الاختيار الأقرب إلى العقل وإلى النجاة.
ليحفظ الرب المغرب، مثلما يقول شعار الأمريكان مع التحوير الوطني اللابد منه.
(*) : ليحفظ الرب المغرب، وهو تحوير للشعار الأمريكي الشهير “ليحفظ الرب أمريكا”