لا يختلف اثنان بأن المحادثات بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي باراك أوباما جاءت في وقتها لتضع النقط على الحروف وتوضح المواقف بشكل صريح في لحظة حاول فيها البعض إثارة الشكوك ونشر المغالطات بغرض تشويه صورة المغرب، وأيضا بغرض تأزيم العلاقات بين الرباط وواشنطن. لكن زيارة العمل الرسمية للعاهل المغربي واجتماعه مع الرئيس أوباما كانت الرد المناسب في الوقت المناسب على كل من يحاول تعكير صفو العلاقات الأمريكية المغربية. إلى جانب توضيح المواقف، التي كان لابد منها، فإن المحادثات بين رئيسي الدولتين أعطت دفعة قوية لتعزيز العلاقات بين البلدين، كما أنها ساهمت في تقريب وجهات النظر، مما مكن من الوصول إلى رؤية والتزام مشترك من أجل مصلحة البلدين. وفي هذا الصدد حرصت الرباط وواشنطن على تأكيد تصميمهما من أجل تقوية علاقات الصداقة التاريخية، والشراكة المتميزة، والتحالف الاستراتيجي بينهما. لقد رسمت المحادثات وحددت معالم خريطة طريق ناجعة لا يمكن أن تؤثر فيها تقلبات الظروف، وهو الشيء الذي جعل المراقبين والمحللين السياسيين يجمعون على أن الإنجاز الذي تحقق من خلال هذه الزيارة، كان نتيجة العمل الجدي والدؤوب الذي قام به المغرب في العشر سنوات الأخيرة على الخصوص، ثم مصداقية مقارباته السياسية والاقتصادية الاجتماعية والأمنية للوضع في المنطقة المغاربية والشمال إفريقية ومنطقة الساحل والصحراء، إلى جانب مسلسل الإصلاحات التي باشرها المغرب على أكثر من واجهة، والتي مازال يواصل تطبيقها بكل ثقة وإصرار. من هنا نفهم مضامين البيان المشترك الأمريكي المغربي الذي جاء تتويجا لما تم التباحث حوله بين رئيسي البلدين في إطار الشراكة المتجددة التي تشمل مختلف أوجه التعاون. ويمكن القول بكل اطمئنان أن المغرب حقق أهدافه من خلال الزيارة الملكية، حيث أنها كانت؛ أولا، مناسبة جيدة لإعادة الدفء المعهود للعلاقات بين الرباط وواشنطن، وثانيا لتأكيد الموقف الأمريكي الداعم ـ على أعلى مستوى ـ لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وذلك بالتنصيص عليها في البيان المشترك باعتبارها "حلا معقولا وجديا وذا مصداقية وإطارا يستجيب لتطلعات السكان لإدارة شؤونهم في إطار السلام والكرامة"، وثالثا، فتحت الزيارة آفاقا جديدة لشراكة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهو موقف جاء لتأكيد موقف المغرب ومعركته المشروعة من أجل تكريس وحدته الترابية وسيادته الوطنية. إن الموقف الأمريكي، المعبر عنه خلال مباحثات الملك محمد السادس والرئيس أوباما، بقدر ما هو رسالة لمن يهمهم الأمر، بقدر ما هو تعبير عن رؤية جيوسياسية لمنطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، بمعنى أنها رؤية شاملة للوضع السائد حاليا في المنطقة، خاصة بعد أن تمكنت "القاعدة" من إيجاد موقع قدم لها، وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار في المنطقة من خلال تحركات جماعات تابعة لها، حيث وجدت في الفضاء الصحراوي المترامي الأطراف مجالا للتهريب والاتجار في المخدرات وتهديد وحدة دول المنطقة بمحاولة إقامة دويلات جديدة، ومنها المخطط الجزائري الذي يرمي إلى فصل المغرب عن صحرائه، وإنشاء كيان يفتقد إلى الشرعية، بل حتى إلى المعايير الموضوعية التي تحدد معالم الدولة. وقد أثار الاقتراح المغربي، بخصوص إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب ودول الساحل والصحراء، اهتمام الرئيس أوباما، لأنه يتطابق والتطلع الأمريكي للبحث عن حل مناسب لمنطقة أصبحت تعيش تحت التهديدات الإرهابية التي تشكل الصحراء قاعدة لها، إلى جانب اعتراف الرئيس الأمريكي بريادة محمد السادس في تعزيز الديمقراطية ودعم التنمية الاقتصادية والبشرية في المنطقة. يبقى الشيء اللافت للانتباه رسالة النواب الديمقراطيين والجمهوريين التي وجهها الكونغريس الأمريكي للرئيس أوباما، والتي تلاها النائب جيم موران، حيث تحدثت عن الصداقة العريقة التي تعود إلى سنة 1777، وعن السلطان محمد الثالث، جد محمد السادس، الذي كان "أول رئيس دولة، والمغرب أول بلد يعترف بجمهورية الولايات المتحدة الأمريكية الفتية"، كما ذكر موران بأن المملكة المغربية كانت أول بلد يوقع معاهدة سلام وصداقة مع أمريكا، وهي الوثيقة التي سيوقعها الرئيسان جون آدامز وتوماس جيفرسون سنة 1786، قبل أن يصادق عليها مجلس الشيوخ سنة 1787. "ومنذ هذه المعاهدة، تقول الرسالة، ما فتئت العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة تتعزز".
حمادي الغاري.