عبد القادر الحيمر
تجندت بعض الأقلام المحسوبة على الصحافة الجزائرية لتحرض الشعب الجزائري على معاداة وكراهية المغرب، ورغم أن الميزان التجاري للمبادلات بين البلدين يؤكد أن قيمة الصادرات الجزائرية للمغرب تزيد بكثير عن قيمة الصادرات المغربية للجزائر، فإن هذا الصنف من الأقلام ينتقي من المصطلحات ومن الأرقام ما يجعله يوهم القارئ بأن المغرب هو المستفيد الوحيد من المبادلات الثنائية وبأن قطع العلاقات سوف لن يضر إلا المغرب.
المثال نسوقه من جريدة الخبر التي ذهبت إلى حد القول بأن المصالح التجارية للمغرب في الجزائر ستجعله يحافظ ولو مجبرا على رزانة عقله وعلاقاته الطيبة مع الجزائر ( الخبر الاثنين 18 نونبر 2013)، وأهم ما ارتكزت عليه في هذا الطرح هو أن قيمة المواد الغذائية التي استوردتها الجزائر من المغرب في الأشهر الثمانية الأولى بلغت 33 مليون دولار بينما قيمة الصادرات منها للمغرب بلغت 1,4 مليون دولار، كما أن قيمة التجهيزات الصناعية والفلاحية المصنعة في المغرب ارتفعت في التسعة أشهر الأولى إلى 30 مليون دولار بينما قيمة صادرات الجزائر منها للمغرب خلال نفس الفترة تراجعت من 838,98 ألف دولار إلى 1,2 ألف دولار فقط، وحتى بالنسبة للمحروقات ركز المقال على كون قيمة الصادرات الجزائرية للمغرب خلال التسعة أشهر الأولى تراجعت بنسبة 2,78% إلى 684,75 مليون دولار ونسي أن هذا المبلغ يمنح للجزائر فائضا تجاريا يصل إلى حوالي 10 أضعاف العجز المسجل على مستوى مبادلات المواد الغذائية والصناعية، كما نسي أن المغرب ليست له أية مسؤولية في تراجع أسعار النفط الدولية وفي تراجع قيمة صرف العملة الجزائرية مقابل العملات الصعبة ومقابل الدرهم المغربي.
ما ذهبت إليه هذه الصحيفة ومعها بعض الأقلام، التي ترى في الولاء لمن يتحكمون في مركز القرار بالجزائر والتملق لهم مبرر وضامن وجودهم، لا يعكس حتى رأي الصحافة الجزائرية التي كثيرا ما استندت إلى تقارير جزائرية ودولية ، بما فيها صندوق النقد الدولي، لتبين بالأدلة القاطعة بأن الاقتصاد الجزائري يعاني أولا وقبل كل شيء من كونه اقتصادا قائما على الريع إذ تمثل المحروقات ما يزيد عن 90% من مداخيل الخزينة، ثم من كونه اقتصادا يعاني من الفساد ومن تهميش القطاع الخاص وحرمانه من القيام بدوره التنموي.
هل تريد الأقلام المحسوبة على الصحافة الجزائرية حرمان الشعب الجزائري من السلع الغذائية والصناعية المستوردة من المغرب؟ إذا كان الأمر كذلك فما هو البديل التي تقترحه على المستهلك الجزائري؟ ما هي السياسة التي اعتمدتها الجزائر طيلة الولايات الثلاثة التي تربع فيها عبد العزيز بوتفليقة على كرسي الرئاسة لكي ترفع من حصة الإنتاج الفلاحي في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي؟ هل بإمكان الجزائر أن تستورد مواد غذائية في نفس مستوى جودة وطراوة المواد المغربية بأسعار منافسة؟ أين أنفقت ملايير الدولارات المحصلة من الغاز والبترول؟ لماذا ينتشر الفقر والبطالة واليأس في الجزائر؟
إن الصحافة كسلطة رابعة بريئة من هذا الصنف من الأقلام لأن ما تذهب إليه يضر الجزائريين أكثر مما يضر المغاربة، إنه لا يخدم إلا مصلحة من اعتمدوا الإيديولوجية الاشتراكية كغطاء لفساد طال حتى مؤسسة صوناطراك التي تحولت مداخيلها إلى الحسابات الشخصية عوض أن تصرف في مشاريع تنموية ما أحوج الشعب الجزائري إليها.
من المحقق أن الجزائر تعيش الآن على إيقاع الانتخابات الرئاسية وأن الحكام الجزائريين يسعون إلى إخفاء الوضع الداخلي بالإفراط في افتعال نزاعات ديبلوماسية واقتصادية مع المغرب، ولكن، ومهما كانت نتائج هذه الانتخابات فإن مصلحة الشعب الجزائري في تقوية العلاقات مع المغرب، فحتى ولو ظلت الرئاسة الجزائرية حريصة على دعم مرتزقة البوليزاريو الذين ينادون بانفصال الأقاليم الصحراوية عن الوطن، فإن ذلك لا يمكنه أن يبرر إبقاء الحدود البرية بين الجزائر والمغرب مغلقة، ولعلم هذا الصنف من الصحافيين فإن كل التقارير الدولية تؤكد بأن فتح الحدود سيمكن كل دول المغرب العربي، بما فيها الجزائر، من زيادة معدل نموها بنقطة واحدة على الأقل.
إننا واثقون من أن نوعية العلاقات الأخوية القائمة بين الشعبين أقوى من أن تنال منها حملات إعلامية تخدم مصالح فئات محدودة في ظرفية متميزة، ولكننا مع ذلك لا نرضى للصحافة الجزائرية، التي نعتز بصمودها وبدفاعها عن حرية التعبير، أن تفقد من سمعتها لمجرد ان بعض الدخلاء يتعاملون مع الوقائع بمنطق يفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية والمسؤولية، ليس تجاه المغرب والمغاربة، وإنما تجاه الجزائر والشعب الجزائري.