لقد مكنت " رسالة أبوجا " المهللين والمطبلين في المواقع البوايسارية ــ التي هي أصلا جزائرية ــ من إعادة شحن بطارياتهم "المضروبة " محاولين إيهام أنفسهم بقرب تحقيق " الحلم " أوكما نسميه نحن المغاربة "خدعة القرن العشرين" أوالولاية الجزائرية الوهمية رقم 49 بجنوب المملكة المغربية ، هكذا راح هؤلاء المهللون والمطبلون يدبجون ما يسمونه مقالات تضرب أخماسا في أسداس ، فمنهم من إعتبر الرسالة الأبوجية بمثابة الفتح المبين إلى درجة أن بعضهم وصفها بآخر طلقة رصاص من بندقية بوتفليقة في صدر الملك وكأن الملك هو من يملك السيادة على الصحراء وليس الشعب المغربي وبموجب منطوق الدستور المغربي الجديد الذي يقول في الفصل الثاني من الباب الأول (السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالإستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية ))، ومنهم من إعتبرها موجة جاءت من أبوجا لتضرب بقوة " المحتل المغربي " وتقدف به خارج رمال الداخلة والعيون ونسي هؤلاء أن الدستور حمّل مسؤولية الدفاع عن الوطن للشعب المغربي في الفصل 16( المواطنون جميعا يساهمون في الدفاع عن الوطن ))، ومنهم من إعتبرها محاولة لرص الجدار الإفريقي الذي بدأ المغرب يخرقه شيئا فشيئا ونسي هؤلاء أن الدستور المغربي يقول في التصدير ( المملكة المغربية دولة إسلامية دات سيادة كاملة ...وبصفتها دولة إفريقية فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية ))، ومنهم من ذهب بعيدا وأطلق العنان لمخه المغسول بالصابون البلدي الحركي ليربط زيارة وزيرة الخارجية الأمريكي جون كيري لكل من المغرب والجزائر بالرسالة الأبوجية التي قدمتها له صديقته كيري كيندي مترجمة إلى اللغة الإنجليزية عفوا اللغة الأمريكية وستكون زيارته مناسبة لفرض الإستفتاء على المغرب في مدة أقصاها أواخر سنة 2014 ،لكن مالايعلمه هؤلاء المطبلون والمهللون هو أن توقيت إعلان مؤتمر جنيف 2 سابق على توقيت إعلان زيارة كيري إلى الجزائر والمغرب ، بمعنى أن حضوره في جنيف كان مبرمجا له وخصوصا وأن زيارته للسعودية توحي بأن هناك تنسيق مسبق بينهما على ضرورة حضور مسؤول أمريكي وازن للحسم في المسألة السورية هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن إعلان تأجيل أوربما إلغاء هذه الزيارة جاء متزامنا مع إعلان البيت الأبيض عن زيارة ملك المغرب يوم 22 من هذا الشهر مما يطرح أكثر من علامة إستفهام حول مدى سرعة تجاوب البيت الأبيض مع رسالة الملك المشفرة لأمريكا في خطاب الذكرى 38 لإسترجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة ومن نسي هذه الرسالة المشفرة عليه أن يعيد قراءتها مرة أخرى :
هل يعقل أن يحترم المغرب حقوق الإنسان في شماله ويخرقها في جنوبه ؟ فكل الدول ترفض أن تتعرض لأعمال تمس الأمن والإستقرار لأن حقوق الإنسان تتنافي مع العنف والشغب وترهيب المواطنين ولأن ممارسة الحريات لايمكن أن تتم إلا في إطار الإلتزام بالقانون .. وإذا كانت معظم المواقف الدولية تتصف بالموضوعية والواقعية فإ ن ما يبعث على الأسى أن بعض الدول تتبنى أحيانا نفس المنطق في تجاهل مفضوح لما حققته بلادنا من منجزات وخاصة في مجال الحقوق والحريات ، وهذا الخلط والغموض في المواقف يجعل طرح السؤال مشروعا : هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركاءه الإستراتجيين بخصوص قضية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية ؟ بل إن مجرد وضع هذا السؤال يوضح أن هناك شيئا غير طبيعي ""
وماهو غير طبيعي هو أن مؤسسة روبير كنيدي التي مولت حملة أوباما لم تكن تعرف لادولة الجزائر ولا دولة المغرب قبل ترشيح أوباما لولايته الأولى ولم تتعاطى مع ملف الصحراء إلا بعد أن إشترى النظام الجزائري جائزة هذه المؤسسة لمغربية صحراوية تدعى أميناتو حيدر والسؤال هو :أين كانت هذه المؤسسة قبل أن تخترقها شركة سونطراك الجزائرية مابين 2008 و2010 ؟ لقد كانت في جنوب السودان وإستطاعت إستغلال الجانب الإنساني والحقوقي لتفتيت هذا البلد وتركه فريسة للفوضى بعد أن تمكنت شركات النفط الأمريكية من وضع أرجلها وأيديها على جنوب السودان ، وعندما زارت كيري كيندي مخيمات تندوف وهي معمّدة بصليب من الحجم الكبيرلم تكن تدري أنها أمام قيادة هجينة لاعلاقة لها بالصحراء المغربية ولا بما يسمونه شعبا صحراويا بقدر مالها علاقة بمن موّل مؤسستها التي كانت تدعم أوباما في الإنتخابات الأولى والثانية ، وبالتالي فإن زيارتها ليست سوى مجرد تقديم خدمة للنظام الجزائري حتى ولو تطلب الأمر التغطية على الإنتهاكات الصارخة لأبسط حقوق الإنسان سواء في الجزائر نفسها أو في مخيمات الإحتجاز، ولهذا فإن عبارة " هناك شيء غير طبيعي " التي قالها الملك في خطاب ذكرى المسيرة تؤكد بالملموس أن الملفات الجاهزة التي تصل إلى دوائر القرار في أمريكا وأروبا هي ملفات مطبوخة بأموال شعب شقيق لا يعتبر قضية الصحراء كأولوية من أولوياته .
الجزائر تايمز: خالد أيمن الرقيبي.