بوحدو التودغي
عندما عاد عبد العزيز المنبهي، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب خلال المؤتمر 15 سنة 1972، إلى المغرب واستقر في مدينة القنيطرة، كان رفاقه يروجون عنه أنه "غير سوي"، وذلك لخوفهم من عودة مناضل جذري سيسحب البساط من تحت أرجلهم، لكن العارفين بالتاريخ يقولون إن الرجل كان معروفا بأنه لا يفكر وإنما يتكلم فقط بما جادت به قريحته خصوصا إن امتزجت بمشروبات غير طبيعية، وهذا الكلام كان يقوله رفاقه في الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين، التي جمعت بين طلبة منظمة إلى الأمام و23 مارس ولنخدم الشعب، وقد فُرض عليهم المنبهي فرضا نظرا لهيمنة المراكشيين على التنظيم.
اليوم لا يبدو أن المنبهي وصل مرحلة النضج بل يمكن القول إنه أصيب بأمراض الخرف، والعياذ بالله، أي أن التاريخ توقف لديه في السبعينات ولم يستوعب من الحاضر سوى "ثورة" السلفية الجهادية، ومجاهدي حلف الناتوه، أي الثورة الماركسية اللينينية لكن على نهج بن لادن. فهل الخرف يمكن أن يجعل المرء يخلط إلى هذا الحد بين لحية ماركس الفيلسوف والمناضل الأممي وبين لحية الإرهابي أسامة بن لادن.
لقد توقف المبنهي عند أسوأ ما أنتجته الحركة الماركسية اللينينية المغربية ودعا إلى جمعه في شيء واحد. دعا إلى تكوين الحزب الثوري حزب الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين وهو حزب لا يمكن أن يقوم بالتغيير إلا عن طريق الكفاح المسلح. فالشعار الأول شعار الحزب الثوري هو شعار منظمة إلى الأمام و23 مارس في البدايات والشعار الثاني هو شعار المنظمة المغربية للكفاح المسلح التي أسسها الاتحادي عمر دهكون وشعار جزء من الثوريين الماويين بالمغرب، وهي كلها تنظيمات ظهرت في السبعينات من القرن الماضي تحت وهم "الرومانسية الثورية" وقد تكون مقبولة من حيث وجودها في الأذهان بحكم التيار العالمي للثورة. أما أن تكون موجودة الآن فهي من قبيل الخرف الفكري بعد كل المراجعات التي أجرتها التيارات الثورية.
لكن الدعوة إلى الكفاح المسلح في الزمن الإرهابي تبقى صعبة للغاية ومخاطرة قد تكون عواقبها سيئة للغاية. فالكفاح المسلح يعني حمل السلاح. وقد كان الكفاح المسلح في السبعينات وعهد المنظمات الثورية يتخذ أشكالا للمواجهة الأمنية الصارمة وكانت التنظيمات، على خطئها، تتوجه مباشرة إلى الحرب مع حاملي السلاح. ولم تتبن في يوم من الأيام التفجيرات الإرهابية التي يذهب ضحيتها المدنيون أساسا، وقد أوردت إحدى الإحصائيات الدولية أن أربعة آلاف إرهابي عربي فجروا أنفسهم بالعراق في أماكن عامة وأسواق شعبية، وبالتالي فإن الدعوة إلى الكفاح المسلح لن يكون سوى على نمط القاعدة وزعيمها بن لادن، ويبدو أن عبد العزيز المنبهي مؤهل ليكون في صف بن لادن ما دام يتوفر على لحية قديمة سبق بها الإخوان.
وقد عبر المنبهي عن توجهاته الجديدة وفهمه للثورة عندما اعتبر ما وقع في ليبيا ثورة، وقد قادها كريم بلحاج، الرجل العملياتي في تنظيم القاعدة، ومساعد أسامة بن لادن والمقاتل السابق في أفغانستان ضد النظام الشيوعي. يا لا هول المفارقات. ويبقى هنا شيء مهم لابد من الوقوف عنده ويتعلق بجريدة المساء التي نشرت الحوار الطويل معه. فهل من حق الجريدة نشر دعوة إلى الكفاح المسلح على لسان شخص آخر؟ ليس من حقها ذلك لأن هناك مفهوما يسمى مسؤولية النشر. فورود الكلام على لسان شخص آخر لا يعفي الجريدة من مسؤولياتها في نشر مثل هذه الدعوة. تم ما هي مسؤولية وزارة الاتصال باعتبارها تصرف من الأموال العمومية على دعم الصحف وقد حظيت المساء لقربها من الحكومة "الميني ملتحية" بدعم وافر؟
فجريدة المساء بعد مغادرة صاحبها الأول أصبحت في الملكية التامة للمخرج محمد العسلي، وهو الذي ثارت ضده العديد من القضايا من بينها خداع الجمارك المغربية، حيث استورد آليات لتصوير فيلم بورززات جلبها من إيطاليا على أساس أن تعود إلى مكانها بعد ستة أشهر، وإلا اصبحت خاضعة لنظام الضرائب الجمركية، لكن منذ سنة 2004 لم تعد تلك الآليات وبقيت في المدينة يستغلها المخرج الذي في ربيرتواره بضعة أفلام لا يعرفها أحد...
والعسلي محسوب على مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وهو يعبر عن مواقف العدالة والتنمية وخصوصا المحسوبين على تيار وزير العدل، كما تلقى وعدا بتنصيبه رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام المزمع إحداثه لتدبير القطاع.
ولا نعرف ما إن كان الأمر مصادفة، وهذا مستبعد، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ فهل هذه هي طريقة العسلي في ابتزاز الدولة ويريد مزيدا من الدعم لجريدته ولأفلامه؟ ونريد أن نعرف رأي مصطفى الخلفي في هذه النازلة. حيث ان الأمر يتعلق بالدعوة إلى حمل السلاح..
ومن سخرية الأقدار، أن المحَاوَر عبد العزيز المنبهي جمع بين الثورة الشيوعية ولحية بن لادن، والمحاوِر سليمان الريسوني جمع أيضا بين المتناقضات، حيث إن شقيقه الأكبر أحمد الريسوني هو الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح وشقيقه الآخر ينتمي للنهج الديمقراطي وجاء هو في منطقة الوسط. ولا يمكن أن ننسى أن الريسوني عمل مخبرا لدى السلفية الجهادية حيث أقدم على إنجاز تحقيق مرفوق بالصور وبالخرائط لمسجد للشيعة ببلجيكا، مسجد الهدى، وما إن صدر التحذير الصادر من جريدة المساء عن طريق سليمان الريسوني (يسار وهابي) حتى أقدم أحد "المجاهدين" على اغتيال إمام المسجد عبد الله الدهدوه، وما زال أصدقاء الراحل يبحثون عن خيوط تورط الريسوني سليمان في اغتيال الشخص المذكور. فالرجل بدا في الحوار منسجما مع المنبهي بما يعني أنه لم يعترض عليه وكان يرفع له "الكرة" ليقذف الآخر، وبما أن المنبهي دعا إلى حمل السلاح والريسوني دل على القتل، فإن الدال على الشر كفاعله...