بالرغم من مرضه الخطير جدا أبى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلا أن يعود إلى الواجهة عن طريق تكرار الأسطوانة المشروخة التي كان أحد واضعي لحنها في السبعينيات من القرن الماضي.
وفي ما ترتفع القوى المعارضة لترشيحه لولاية رابعة، وهو ما لا يحدث عادة إلا في الأنظمة الديكتاتورية، فضل تدبير لقاء بأبوجا من أجل إحياء المقاربة التي عفا عليها الزمن والمتمثلة في إعطاء المصداقية لفكرة قابلية وجود كيان مصطنع على جزء من التراب المغربي، وذلك من خلال تأويل خاطئ و مغرض وأحادي الجانب لمبدإ تقرير المصير.
وتنكر بوتفليقة، في رسالة نسبتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية له، وتليت باسمه من طرف عضو بحكومته أمام ندوة وهمية في أبوجا، لكل التطورات التي عرفتها قضية الصحراء و التي شهدها ملف حقوق الإنسان بالخصوص، من خلال إرساء مؤسسات تتكفل بهذا الجانب، و سن تشريعات وقوانين تحمي هذه الحقوق وتجعل أي مسؤول مهما علا شأنه ليس بمنأى عن المساءلة.
و تنبه الرئيس الجزائري فجأة إلى أنه متشبث بحقوق الإنسان، التي تنتهك يوميا فوق أرض بلاده، هذا الانتهاك الذي تحول إلى سياسة دولة طوال الفترة الدموية في محاربة الجماعات المسلحة بالجزائر، والتي لا زال ضحاياها يطالبون، دون جدوى، بجبر الضرر وتحديد هوية منفذي مثل هذه الجرائم، دون الحصول على أدنى صدى من قبل صانعي القرار. هذا في الوقت الذي طوى فيه المغرب نهائيا صفحة الماضي، مع الانتهاكات التي وقعت، من خلال تجربة الإنصاف والمصالحة، التي غذت نموذجا تريد الكثير من الدول أن تأخذ به في مجال العدالة الانتقالية.
إنها محاولة جديدة من الرئيس الجزائري ترمي إلى العودة بالقضية برمتها إلى مربع البداية، ومسعى إلى عرقلة التقدم الذي أحرزته مبادرات المغرب للتعاون مع الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل توافقي ومتفاوض بشأنه لهذا النزاع، وهو حل يحظى بدعم كبير من طرف المنتظم الدولي.
وإذا كان لرسالة الرئيس الجزائري من مزية، فهي تكشف بشكل جلي التوجهات العميقة التي تحكم الموقف المتشدد للبلد الجار حول هذا الملف منذ اندلاعه، ذلك الموقف الهادف ومهما كان الثمن، لفرض كيان مصطنع على المملكة المغربية، وفوق ذلك على التراب المغربي، مفضلا اللجوء لأحد المبادئ الكونية الأكثر قداسة، ألا وهو مبدأ تقرير المصير، علما أن الحكم الذاتي هو في حد ذاته شكل من أشكال تقرير المصير.
وبكل تأكيد، ففي لعبة الاستعمال المغرض للقانون الدولي ولحقوق الإنسان بالخصوص، لا يمكن للجزائر أن تخدع أيا كان، وهي التي ضربت عرض الحائط بكل مبادرات حسن النية التي عبرت عنها المنظمات الدولية والهيئات والمنظمات غير الحكومية الأكثر مصداقية.
ولا شك أن مثل هذه الخرجة تحركها رهانات سياسوية وإكراهات السعي للتموقع مجددا على الخريطة الإقليمية، بعد الهزائم التي منيت بها الدبلوماسية الجزائرية في هذا الملف بالضبط، والتي كان آخرها الفشل في انتزاع قرار توسيع مهام "المينورسو" في الأقاليم الجنوبية لتشمل حقوق الإنسان في أبريل الماضي.
لقد اختار المغرب طريق الإصلاح وفق مقاربة تشاورية، وهي الإصلاحات التي تجسدت في الدستور الجديد، الذي رسم معالم الطريق لتطبيق الجهوية المتقدمة بالأقاليم الجنوبية، يسندها الجانب الاقتصادي، في ما يتعلق بترجمة النموذج الجديد للتنمية الاقتصادية، وذلك في أفق منح الحكم الذاتي الموسع لهذه الأقاليم.