لمختار لغزيوي.
تركناها في الزاوية السابقة عند قراءة من نوع خاص لاعتقال علي أنوزلا هي أنه اعتقل لأنه “صحراوي”.
قائل هذه الجملة هو بوبكر الجامعي المالك السابق لجريدتي “لوجورنال” و”الصحيفة” والرجل الذي كان يهيء نفسه لمناصب قيادية في الإعلام المغربي إبان العهد الجديد حين كان هذا العهد بالنسبة له جديدا.
كان المغاربة حينها ينتقلون من ملك إلى ملك وكانت الأشياء غير واضحة في الأذهان، والعديدون لعبوا على لحظة الانتقال الكبرى تلك من أجل فرض مواقع كانوا يعتقدون أنهم أهل لها مهما كلف الثمن. في المحكيات الكثيرة التي تقال على لسان من عايشوا اللحظة الأولى لهذ التأسيس، كان بوبكر مصرا على أن المغرب يعيش ديمقراطيته، ولحظة تحوله من فرانكو إلى خوان كارلوس. من حاولوا أن يشرحوا لبوبكر أن المغرب ليس هو إسبانيا وأن أحلام اليقظة هي عادة سيئة حين تختلط هاته الأحلام بالواقع، لم يسمع منهم الرجل شيئا.
هو لديه الإحساس أن الصحافة تأسست ذات يوم في مكان ما من العالم لكي تصبح مسجلة باسمه ومحفظة تحت يافطته هو والفئة الناجية. لذلك لم يعدم الرجل كلمات سباب يكيلها باستمرار للمشهد الصحفي المغربي: كلهم فاسدون، كان يقول دوما. يبدو الشعار قريبا من شعار الجبهة الوطنية في فرنسا الذي تبني عليه هاته التشكيلة العنصرية نجاحها لدى الناس واستغلالها لفرارهم من الأحزاب التقليدية، سوى أن لبوبكر أسبابه الوجيهة لكي يرفع هذا الشعار ولكي يجعله سبيله من أجل فعل ما يريد خصوصا خارج أرض الوطن.
يحكى والله أعلم، لأن الحاكي في مثل هاته اللحظات يتذكر شيئا وينسى أشياء أخرى، أن بوبكر انتقل في لحظة من اللحظات من النقيض إلى النقيض: رجالات العهد الجديد لم يعودوا راغبين في مكالمته وفي اللقاء به أو مجالسته. تغيرت الأمور وفهم ابن الجامعي وحفيد الجامعي أن للكتف بندقية لن توضع عليها بعد الآن، ذهب زاحفا على بطنه وعلى كل عضو من أعضائه نحو من يستطيع انتهاز فرصة التحول التاريخي لديه هاته، ونحو من يستطيع تبني نضالاته اليومية خارج أرض الوطن من أجل تحرير المغرب من الفساد والاستبداد.
تتبدى الحكاية هنا بشكل آخر: هل أنت صحافي أم سياسي؟
لا رد ولا جواب، ولا وضوح بين الأمرين: أنا معارض صحافي سياسي إعلامي أنتج لبلادي خطبا سأحررها به خصوصا وأنها لم تعد تتوفر على صحافيين منذ أن هاجرت أنا وصحبي، وأصبحت هي خلاء في خلاء.
تشكر للرجل مسعاه الحثيث نحو الحرية وتكاد تسأله بعد أن تقول له “شكر الله سعيك سيدي”، “من أين تأتي بمال كل هاته الرحلات التي تحملك من نيويرك إلى مدريد، ومن باريس إلى واشنطن، فالعودة إلى إسبانيا في انتظار القدوم إلى هولندا ثم بلجيكا ومنهما إلى المغرب؟”. ثم تقرر أن تضرب صفحا عن الموضوع، في النهاية حكاية المال هاته حكاية نافلة، إضافية، لا قيمة لها أو لنقل إنها تافهة.
نعم المال كان هو محرك “لوجورنال” الأول، نعم المال كان هو سبب الخصام الداخلي الأول، نعم المال كان هو سبب إقفال “لوجورنال” بعد حكاية الضرائب الشهيرة، لكن ومع ذلك لا يصح أن نقول إن “المال هو عصب هاته الحرب”، وأن المصلحة الذاتية خصوصا حين تنهار أمام صاحبها تجعله قادرا على خوض هاته المعارك بالوكالة مهما كلفه الأمر من أرباح لأنه لا خسائر في الموضوع ككل.
“كلفناك بالملف الإعلامي، وأنت وزيرنا فيه فور نجاح الثورة”، هكذا يقولونها على سبيل المزاح بينهم، ويحكون أن الرجل الأمريكي لا يتوقف عن ترديد النكتة المرة بعد الأخرى. فهل نلوم وزيره الافتراضي في الإعلام على قيامه بمهامه خير قيام؟
من جهتي لن ألومه. هو يستحق التنويه لأنه “خدام من نيتو” لتبييض ما يتلقاه من أموال، بل هو ربما الأفضل من بقية العاملين ولنا الدلائل الكبرى على ذلك, وفي مقدمتها وفي آخرها “الشو” الكبير الذي أحياه بالرباط يوم عرض زميلنا علي على قاضي التحقيق، أي أول أمس بالتحديد.
ماذا قال الرجل؟ لم يقل شيئا جديدا أكد أن كل معارضيه يقولون هراء في هراء، وأقسم أنه لا يلعب بعلي لعبة “الروليت الروسية” التي يمكنها في أي لحظة أن تعصف بنيل سجن سلا اليوم، وانتهى عند ما بدأ به الحديث “أتيت إلى المغرب لكي أضغط عليه ولكي أحرر علي وأمضي”.
شكرا على التواضع، قال الكثيرون بعدها. رددوا فيما بينهم ما يعرفونه وما لا يعرفونه أيضا من أسرار، وقالوا على سبيل الوعد الصادق : الحكاية لن تنتهي هنا.
أبدا لن تتوقف هنا كل الالتباسات.