عبد الحميد زيد
عندما يتحدّث بوبكر الجامعي فهو لا يمزح. لقد عاتب الأوربيين، لأنهم منحوا المغرب وضعا متقدما. ويهمس المقربون منه بأنه وبّخ الأوربيين؛ بل أكثر من ذلك، شد من آذانهم وضربهم وقلب عليهم الطاولة، لأنهم شجّعوا الدولة المغربية واعتبروها أهلا للثقة. يتكلّم الرجل الطائر بجد. نحن لا نستحقّ الوضع المتقدم. نحن بلد متخلف ونظام مستبد، وعلى أوربا أن تفرض حصارا علينا. وعلى مجلس الأمن أن يصوّت ضدنا، وأن يفرض علينا الحرية مقابل الغذاء، وأن تقاطعنا دول العالم.
علينا أن نخاف من بوبكر الجامعي. فلا أحد يتخيّل خطوته المقبلة. إنه قويّ ومشهور ومؤثر، وله علاقات واسعة. والويل لأمريكا إن لم تنتقد وضع حقوق الإنسان في المغرب. فرائص الدولة ترتعد من الرجل الطائر. لقد عاد إلى المغرب، وهو الآن يُصدر الأوامر ويُلقي التعليمات. غدا، وبكلمة منه، سيغادر السياح المغرب. مجرد إشارة بسيطة ورحلة جوية لدولة عظمى وها هي الاستثمارات الأجنبية تنسحب تباعا. من منكم يعرفه؟ من اشتغل معه في الصحافة؟ من منكم تربطه ببوبكر علاقة صداقة ليتدخل لديه ويطلب منه أن يكف ويتراجع؟ من يرجوه؟ من يتفاوض معه؟ من يستجديه كي يتوقف عن ضغطه على الدولة المغربية؟ يا للهول. قد تسحب فرنسا سفيرها من الرباط. ألم تسمعوا الرجل الطائر وهو يصرح بأن علاقاته وصلت إلى كمبوديا. ماذا لو هاجمنا الخمير الحمر؟ ماذا لو أعلنوا الحرب على النظام المخزني في المغرب؟ إنه يعرف كل الخبايا. حتى الفرنسيين كشف نخبتهم وسياسييهم وإعلامييهم الذين يُسبّحون بحمد المخزن، وفضح إقامتهم الفاخرة في المامونية وعمالتهم وصمتهم مقابل شمس مراكش.
كل من يتحرّك مأجور إلا هو. كل من لا يرى المغرب أسود وظلاما في ظلام هو عميل، ولا شريف في هذا البلد إلا بوبكر الجامعي ومن يشتغل معه. تحدثوا إليه يا من تقدسونه كي لا يسحب وضعنا المتقدم. لن نقول كلمة سوء عنه. تُبنا وتعلّمنا الدرس. ونحن الآن نشعر بالندم؛ لكن، رجاء، تدخلوا لديه كي لا يغلق في وجهنا الحدود. اطلبوا منه أن يغفر لنا ويسامحنا. سنجوع يا بوبكر لو عاقبنا الأوربيون، وفرضت أمريكا علينا الحصار. سنختنق قبل أن يتفجر النظام من الداخل. أين تعلمت هذا النوع من الصحافة؟ قلْ لنا. أين درست المهنة؟ ما أعظمك. تصلح زعيما وقائدا، بعد نجاح الثورة. اضغط على البلد يا بطل. يا صنديد. يا قويّ. يا نزيه. يا مستقل. يا حر. يا نصير المظلومين. يا فاضح النظام في بلاد المعمور. قلْ للعالم إن المخزن يقصفنا بالطائرات وملايين المغاربة في السجون. افضحنا. شوّه المخزن. طِرْ. طِرْ إلى كل مكان. لا تتراجع عن مهمتك النبيلة. قلْ للأمريكيين نحن أفظع من كوريا الشمالية. قلْ لهم نحن نصنع قنبلة نووية. قلْ لهم أن يهجموا علينا. هذا المخزن متجبر. هذا النظام القمعيّ الهمجيّ يخدع الغرب، ويحاول أن يظهر بمظهر الإصلاحي. حذّرهم يا بوبكر. أيها الصحافي المستبصر والذي يرى ما لا نراه نحن، حذرهم من مكر الدولة المغربية. جرّب مع الروس والصين والصقالبة. أنت قادر على ذلك. قلْ لهم أن يقاطعوا الطماطم المغربية. انصحهم بأن يكفوا عن شراء الفوسفاط. إنه معدن ممخزن. وأسماكنا عميلة، وتسبح في مياه النظام المالحة. قلْ للبواخر الأوربية أن تغضّ الطرف عن سرديننا المنبطح، وأن توجه شباكها إلى بحر آخر. الذين يضحكون لأنك ضد أن يحصل المغرب على وضع متقدم في علاقته مع أوربا أغبياء يا بوبكر. يظنون أنك تسخر. أنت لست بالمناضل الساخر. الشعب المغربيّ يعرفك. أنت مناضل جدي. وصحافي سابق. والرجل الثاني في دولة ما بعد الثورة. دعهم يسخرون، ويشوّهون سمعتك. إنهم أقزام ومأجورون. وأنا واحد منهم. دعهم يا بوبكر. دعهم في عمالتهم. واصل زحفك. اهجم. اهجم على المغرب. الخمير الحمر في صفّك. والأولاد الذين تعجبهم مملكة الدنمارك ويحلمون بالحصول على دكتوراه من أمريكا في خمسة أيام يرفعون صورك: عاش بوبكر. عاش قائد الثورة. عاشت جماجم الخمير الحمر. عاشت دولة بوبكر الحرة الأبية. وليسقط المغرب. وليسقط المأجورون الذين يخلطون بين معارضتك للنظام وبين دفاعك عن الوطن؛ فلا أحد يحب الوطن كما تحبه أنت. الوطن كله لك. والشرف لك. ونحن نبايعك، ونناضل معك لسحب الاعتراف بالمغرب، فأي شعب لا يصفق لبوبكر الجامعي ولا يهلل له لا يستحق أصلا أن يكون.