خيرالله خيرالله:
أعطت زيارة المبعوث الدولي كريستوفر روس للصحراء المغربية فكرة عن التحديات التي تواجه المغرب في هذه المرحلة. فالموضوع لا يتعلّق بالصحراء نفسها التي كانت في الماضي مستعمرة اسبانية واستعادها المغرب في خريف العام 1975 عن طريق «المسيرة الخضراء». شارك في المسيرة مئات آلاف المغاربة تكبّدوا الكثير من أجل المحافظة على وحدة اراضي المملكة وعدم تعريضها مرّة أخرى لأطماع قوى خارجية لا همّ لها سوى تأمين مصالحها على حساب المغرب . كانت زيارة روس مناسبة كي يتبيّن بوضوح أنّ موضوع الصحراء بات ذا شقّين. الاول مرتبط بالحملة التي تشنّها الجزائر من أجل اثارة المشاكل والاضطرابات في المحافظات الصحراوية في المغرب، والآخر بالحرب على الارهاب في الساحل الافريقي، وهي حرب تعتقد الجزائر أن في استطاعتها توظيفها لمصالح خاصة. تعتمد الجزائر في حملتها على جارها على شبكات مرتبطة ببعضها البعض تعتبر جبهة «بوليساريو» احدى حلقاتها. لا وجود لشيء اسمه «بوليساريو» الاّ من منطلق أن تلك الجبهة اداة، لا أكثر في حرب استنزاف يتعرّض لها المغرب. حصلت بعض الاضطرابات في اثناء زيارة المبعوث الدولي للعيون التي هي عاصمة الصحراء. استطاعت قوّات الامن المغربية السيطرة على الوضع من دون اللجوء الى العنف، خصوصا أن المتظاهرين، وهم قلّة، كانوا يؤدون دورا مفتعلا مطلوبا منهم مدفوعين من جهات خارجية. ترافقت الاضطرابات مع ظهور افلام عرضتها بعض المحطات التلفزيونية تشير الى حصول عنف في العيون. تبيّن ان هذه الافلام غير صحيحة وأنّ كلّ ما عرض كان مشاهد من مكان آخر أو من فترة ماضية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالوضع السائد فعلا في المحافظات الصحراوية. هذا لا يعني أن زيارة المبعوث الدولي مرّت بسلام، بمقدار ما يعني أن السلطات المغربية سمحت لمن يريد التعبير عن رأيه بأن يفعل ذلك، حتى بالنسبة الى الذين تعرف جيّدا من يقف وراءهم ومن يدفعهم الى خلق أجواء من البلبة. في النهاية، بقيت الامور محصورة في نطاق ضيّق، خصوصا أن الحياة عادت الى طبيعتها في العيون وغير العيون، بمجرّد مغادرة كريستوفر روسّ المدينة وانتقاله الى مكان آخر. اذا أخذنا فيت الاعتبار ما حصل خلال وجود المبعوث الدولي في العيون، يتبيّن كم أن الملك محمّد السادس كان على حق عندما دعا، قبل أيّام، في خطاب افتتاح دورة مجلس النوّاب المغربي الجميع «الى اليقظة والتعبئة». قال صراحة «انّ الوضع صعب والامور لم تحسم بعد ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما يضعنا أمام تطورّات حاسمة». لم تتوقف المناورات، كانت التحركات المفتعلة في العيون جزءا منها. هناك ادراك في المغرب لما يخبئ الغد. هناك بكلّ بساطة، من لا يرتاح الى أن المغرب استطاع ترتيب أوضاعه الداخلية وتكريس نهج الاصلاحات السياسية والاقتصادية والسعي الى تنظيم الحياة السياسية على أساس التعددية الحزبية. هناك من يعتقد أنّ في استطاعته الهرب من مشاكله الداخلية عن طريق افتعال مشاكل للمغرب. أكثر من ذلك، هناك من يظنّ أن دوره الاقليمي مرتبط باضعاف المغرب وأنّ رفض الحل الواقعي الوحيد المطروح بالنسبة الى الصحراء المغربية، وهو الحكم الذاتي الموسّع، سيقطع الطريق على المتاجرين بالشعارات. من أهمّ هذه الشعارات «حق تقرير المصير للشعوب». لو كانت الجزائر حريصة بالفعل على حق تقرير المصير للصحراويين، لماذا لا تقيم لهم كيانا داخل اراضيها، خصوصا أن كلّ الشريط الممتد من موريتانيا وصولا الى البحر الاحمر، مرورا بالجزائر نفسها، مليء بالصحراويين؟ لعلّ أخطر ما في الامر أن الجزائر تسعى الى الهرب من أزمتها الداخلية، التي يعبّر عنها أفضل تعبير، مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وهو شبه مقعد لا يستطيع الكلام الاّ بصعوبة. يترافق ذلك مع وجود أوساط أميركية تتوهّم أن هناك قضية صحراوية. هذه الاوساط التي لا ترى ما هو أبعد من أنفها، لا تأبه بالمشاكل الحقيقية التي تعاني منها المنطقة. في مقدّم هذه المشاكل الارهاب والتهريب بكلّ اشكالهما. هناك مثل لايزال عالقا في الاذهان هو المثل المالي. فقد اضطرت فرنسا الى التدخل عسكريا في ذلك البلد لمنع قيام قاعدة لـ«القاعدة» في منطقة الساحل. لعب المغرب دورا مهمّا في دعم كلّ الجهود الهادفة الى وضع حدّ للارهاب. شمل ذلك زيارة قام بها محمّد السادس لباماكو في مناسبة تنصيب الرئيس الجديد المنتخب. قدّم المغرب مساعدات كبيرة لمالي شملت اقامة مستشفى وتأهيل ائمة مساجد (نحو 500 من هؤلاء) في المغرب وذلك اعتمادا على المذهب المالكي المنادي بالوسطية والاعتدال والتسامح والاعتراف بالآخر، أي بكل ما يرفضه المتطرفون من جماعة «القاعدة» وما شابهها. لم يعد سرّا أن الحملة على المغرب، انطلاقا من الصحراء، تستهدف أوّل ما تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة والاستعاضة عن الحرب على الارهاب بالمتاجرة به وتوظيفه في خدمة سياسيات مرتبطة بالاوهام الجزائرية. على رأس هذه الاوهام الدور الاقليمي المهيمن لبلد لا وجود له الاّ بفضل الثروة النفطية وآبار الغاز التي تستفيد منها الشركات الاميركية الى أبعد حدود. لا شكّ أن هناك من يحرّك مجددا قضية، يفترض أن تكون منتهية. آخر هموم من يفعل ذلك هو حقوق الانسان. فمن هو حريص بالفعل على حقوق الانسان يهتمّ أوّل ما يهتم بالصحراويين المقيمين في تندوف الجزائرية داخل معسكرات اعتقال تشرف عليها «بوليساريو». من هذه المعسكرات وليس من الصحراء المغربية يمكن أن تبدأ المعالجة الانسانية لأوضاع الصحراويين... في حال كان هناك من يمتلك ذرة من الانسانية.