لأن نهر الحراك الاجتماعي لم يصب في بحر "ثورة"، التي كان يراهن عليها البعض للإسقاط النظام، بل انساب بهدوء في اتجاه إصلاحات سياسية حظيت بتصفيق فئات عريضة من المجتمع، الذي يرغب في جني ثمار الدستور الجديد من دون ملء المقابر بجثث، ولا تنقية الشوارع بالدماء.
ولأن هذا الوضع يستفز حاملي شعارات التغيير "الزائف"، الذي يستهدف تبديل الأشخاص بالأشخاص والبحث عن مواقع لا أقل ولا أكثر، بدافع الحقد، أو خدمة أجندة الذي يدفعُ أكثر...، غاض أبوبكر الجامعي أن كل هذا الاستقرار لا تزعزعه العدل والإحسان ولا حركة 20 فبراير، فشرع في إطلاق تصريحات كلها تضليل.
وهكذا لم يجد بأسا، أن يدعي أن طنجة أصبحت منطقة محررة ل 20 فبراير، في الوقت الذي بدأت فيه هذه الحركة في التراجع، وفقدت الكثير من المواقع، وتعيش تطاحنا داخليا، وتسير بكل ثقة نحو الحائط.
لقد أراد الجامعي أن يعزل هذه المنطقة مستحضرا، البعد الاستعماري، أيام كانت مدينة معزولة عن الوطن، وتخضع للنفوذ الدولي، وأغمض عينيه عن كل الحقيقة... حقيقة أن القطارات لا تزال تقل المسافرين، ومطار بوخالف يستقبل الطائرات، والإدارة تشتغل، والناس يتبضعون من الأسواق، وقلة من الشباب يخرج كل أحد حينما يركن المواطنون للراحة أيام الآحاد.
وأراد أيضا أن يعزل العدالة والتنمية، وأن يعيدها لصف العدل والإحسان، من خلال السعي لإقناع بنكيران بانسحاب من المسلسل الديمقراطي، بعدما "تبرأ" شباب 20 فبراير من جماعة عبدالسلام ياسين. والسؤال هو على أي أساس بنى سي بوبكر قناعته؟ ولماذا يريد نسج هذا التحالف جديد_ القديم؟ هل يئس من شباب تحمس لهم في البداية أكثر من اللازم؟
ولم يجد الجامعي أي مصوغات لهذه الدعوة الجديدة، لكن الذين يعرفونه جيدا يدركون نزوعه الإسلاموي البعيد عن الحداثة الظاهرة في اللباس والكلام، إلا الإدعاء أن "المخزن" لن يثق في عبدالإله بنكيران، كما ثاق في الذين من قبله، وهو بذلك يحرضه على الانسحاب والالتحاق بمعسكر جماعة ياسين.
لقد استغل سي بوبكر لحظة تشكيك الحزب في نزاهة الانتخابات، لأن القوانين لم تُلبي جميع رغباته، ولم تُفصل على مقاسه، من أجل أن يدفع نحو الأسوأ و هو المقاطعة، لأن الجامعي لا يجد نفسه في هذا المسلسل الديمقراطي، الذي يضع حدا لأحلامه في أن يكون أحد "صناع القرار"، لذلك، فهو الآن يشكك في نتائج الاستفتاء، بعد مرور 3 أشهر على إعلان النتائج.
ويعتقد سي بوبكر أن المغاربة نسوا أنه كان من دعاة المقاطعة، وأن العدالة والتنمية كان من أنصار التصويت بنعم. فماذا تخلى عن أصدقاء الأمس من اليسار الاشتراكي الموحد والكدش... ويسعى اليوم إلى خطب ود الإسلاميين؟ ثم ما معنى هذه الازدواجية في الموقف؟
يبدو أن الجامعي في مرحلة تجريب، وهو اليوم يجرب كل وسائل التحريض ضد النظام، بما في ذلك الإدعاء أن الديوان الملكي هو من يتحكم في الاقتصاد، ولا غرابة، بعد ذلك، أن يتحالف مع الشيطان إذا اقتضى الأمر ذلك، وهذا ما يفعله بالضبط.