الظـرفية غير مطمئنة بتاتا، والقلق كبير مما هو قادم. ذلك هو الانطباع الذي يستبد بمن يتتبع تطورات ملف الصحراء منذ بضعة أسابيع. خصوصا وأن «الثعلب» كريستوفر روس عاد ليرقص بين كثبان الصحراء هذه الأيام، وهو يتحين الفرص المواتية لاستعادة مخططاته القديمة، التي يبدو أنه لم يوقفها إلا على مضض، متحينا الظرف الأكثر ملاءمة لاستعادة المبادرة من جديد.
لست أدري إن هي الصدفة فقط، أم أن هذا الرجل يختار مواعيد زيارته لأطراف النزاع حول الصحراء بميزان من ذهب، لقد اختار هذه المرة أن يحط بين ظهرانينا مباشرة بعد مشروع قرار للبرلمان الأوروبي يدين المغرب في موضوع الصحراء (وهو تقرير معيب على كل حال جاء خارج نص المهمة المحددة للتقرير)، وفي نفس التوقيت، صدر تقرير الخارجية الأمريكية يدين الوضعية الحقوقية في أقاليمنا الجنوبية (تقول عنه الحكومة إنه منحاز وغير متوازن)، هذا في انتظار ما ستنتهي إليه المنازلات الدييلوماسية بين المغرب والبوليساريو في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأظن أن أخبارا غير سارة وصلت القصر الملكي بالرباط، لدرجة أن الملك في افتتاحه لأشغال البرلمان، تحدث بلغة غير مسبوقة عن الخطر المحدق بملف وحدتنا الترابية، لقد قالها بوضوح «إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة».
من غير المستبعد أن نعود إلى نفس الحالة الديبلوماسية المحرجة والمرهقة التي عشناها قبل أشهر، وذلك حين بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى صياغة مشروع قرار يدعو مجلس الأمن الدولي إلى استحداث الية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهي نفس الآلية التي تشكل حلم كريستوفر روس، وإن استبعده إلى حين، بعد غضبة المغرب وسحبه الثقة من المبعوث الأممي.
منذ مدة طويلة ونحن نلعب في وضعية دفاع بعدما أفرغنا مواقع الهجوم منتشين بالانتصارات الديبلوماسية الأولى التي حققتها مبادر مقترح الحكم الذاتي، لقد اعتقد البعض منا، أو أغلبيتنا، أن اللعبة انتهت ولا نعيش غير أشواط إضافية منتظرين صافرة الحكم لإنهاء المباراة لصالحنا، لكننا نفاجأ بأن المباراة يمكن أن تعاد من جديد، وأننا سندخلها بلاعبين منهكين، أو بدون مهارات.
حتى وإن كنت لا أحب مثل هذه التعابير من كثرة ما تعرضت للتمييع، إلا أنني أجدني مضطرا لقول أننا بحاجة لتعبئة داخلية جديدة تخلخل رتابة التواكل والثقة الزائدة في النفس، كما نحتاج لأن نجعل الصحراء والديمقراطية أولويتان متلازمتان في ظرفية دولية وإقليمية تقيس المواقف بالنفوذ والمصالح، وليس بخطاب المجاملة والصداقة… نعم نحتاج لأقصى درجات الإبداع في الخطط وأرقى المهارات في اللاعبين حتى لانخسر المعركة بالنقط بعدما اعتقدنا أننا سنكسبها بالضربة القاضية.