تتحدث جماعة العدل والإحسان كثيرا عن الربيع العربي وكأنها من صانعيه، والتاريخ القريب يقول إن الجماعة لم تكن لا في عير الحراك الشعبي ولا في نفيره، ولكنها أرادت مثل غيرها من الجماعات الإسلامية الركوب على موجة هذا الربيع، غير أنها فشلت لأنها ليست جماعة مبدعة في أفكارها وأطروحاتها، وحسبت أن الربيع العربي هو نسخة واحدة غير متغيرة فسقطت في الامتحان وفاز غيرها من فهم طبيعة الحراك في المغرب وخصوصية الدولة في هذا البلد. واليوم أصبحت تفصل وتخيط للربيع مده وجزره وتقول إن الجزر ليس وهما في ذهن الحكام العرب وأن المد قادم. أعادت الجماعة حكاية الربيع العربي في افتتاحية موقعها الأخيرة وهي تنتقد تشكيل الحكومة الثانية لبنكيران، وبين التشفي والاستهزاء توزعت كلمات الجماعة التي تعتبر الحليف الإيديولوجي لحركة التوحيد والإصلاح وأداتها الوظيفية حزب العدالة والتنمية، وأرادت الجماعة أن تقول لبنكيران لقد بلعت الطعم وقنعت بحكومة متحكم فيها، وأن الصيغة التي جاءت بها الحكومة هي نتيجة للاعتقاد بأن الربيع العربي يعيش حالة جزر على حد تعبير الافتتاحية. إن الربط بين الربيع العربي وما حدث في المغرب ربطا تاما فيه نوع من المجازفة العلمية، نعم لقد تفاعلت الدولة مع الحراك الشعبي ومع مطالب الشارع وبسرعة غير معهودة في الأنظمة الأخرى لكن منسجمة مع طبيعة النظام في المغرب الذي قدره أن تكون الثورة مشتركة بين الملك والشعب، لكن لا ينبغي أن نقر بأن الحراك هو الذي يقف وراء التغيير، وإلا ما معنى التغيير؟ فالمغرب وفي عز سنوات الرصاص كان أحسن حالا من العديد من دول الربيع العربي بما عليه بعد التغيير. لقد عرف المغرب التعددية السياسية والحزبية في زمن الحزب الوحيد وعرف المغرب النقابي والاجتماعي والمدني منذ زمن بعيد طبعا مع اختلاف منسوب هذا العمل. فلا علاقة للربيع العربي بالتحولات التي عرفها المغرب التي هي تتويج لمجهودات تاريخية، بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي بانفتاح الملك الراحل الحسن الثاني على المعارضة ومحاولة إشراكها في تسيير الشأن العام وتأسيس هيئة جبر الضرر لمعالجة ملفات الاعتقال السياسي وتكوين حكومة التناوب على عهد عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي وتأسيس مجالس ولجان كل همها هو الرقي بحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية. إذن فاعتبار أن تشكيل الحكومة الحالية أو النسخة الثانية من حكومة بنكيران بهذه الصيغة ناتج عن اعتقاد الدولة بأن الربيع العربي في حالة جزر وبالتالي تم الهجوم على بنكيران، بينما الواقع السياسي يقول إن بنكيران عجز عن إدارة دفة الأغلبية السابقة وفرضت عليه الأغلبية الحالية شروطها في سياق الحوار والتفاوض بين فرقاء سياسيين وفي سياق معالجة الاختلالات التي عرفتها بعض القطاعات التي تولاها حزبيون من غير كفاءة فكان لزاما في الحكومة الحالية إخضاع الحكومة لمنطق الكفاءة. إلى ذلك، اعتبرَ حسَن بناجح القيادي بجماعة العدل والإحسَان، حسب ما أورد موقع "زنقة 20" نقلا عن صفحته في الفايسبوك، استغراق الحكومة المُعلن عنها عشية اليوم بالعاصمة الرباط، وهي التي دامت مفاوضاتها قرابة ثلاثة أشهر، الغرض منه بعث رسالة واضحة وهي أن المغرب يسير بحكومة أو بدونها لسبب بسيط هو أنها ليست هي التي تحكم. هذا فهم بسيط لمفهوم المفاوضات وهناك دول ديمقراطية جدا عاشت مدة سنتين بدون حكومة ومنها ملكية برلمانية كبلجيكا. من كل هذا أين صلاحيات رئيس الحكومة من صلاحيات الخليفة كما يتوهمها منظرو الجماعة؟