رشيد بغا.
لم تنضج جماعة "العدل والاحسان" على الأقل نظريا، على مستوى التحليل السياسي والاجتماعي لقصور "فقهائها"، ناهيكم عن جهلهم للمناحي المعرفية الموازية من اقتصاد وثقافة وإعلام..
والسبب في ذلك، هو استنادهم إلى معيارية خرافية أولا، ولتمحور كل دراساتهم على منهجية الاستنطاق الأسطوري ومثاليته الانطباعية، ثانيا، الى درجة التذوق "المطبخي" في التفاعل مع الواقع المادي، حين تجعل أحلامها الماضوية في جدلية مع أوهامها المستقبلية، وحدة أو ميزان للقياس يعتمد تأثير وتأثر الغائب الماضي الطهراني بالشاهد/الحاضر الشيطاني، مما يطلق عنان منظّريها من أمثال فتح الله ارسلان، في كل خروج إعلامي، الى صدم المتتبع وحضّه بالقفز على الحلول الوضعية للمآزق الموعية الى الحلول اللاهوتية للإشكالات العمومية المغربية.
ولعلّ حوارا جديدا لفتح الله ارسلان نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، خص به صحيفة "هسبريس" الالكترونية، هو ما سهّل علينا الاستنباطات العامة التي سقناها في سالف قولنا، بل ونضفي عليها بتركز من الحجج الدامغة من نص الحوار ما جاء فيه على لسان فتح الله أرسلان ، حين حذر من "انفجار وشيك للأوضاع في المغرب، جراء الاشتداد الخانق للأزمة في جميع المجالات بدليل الأرقام"...
وللأسف لم يذكر رقما واحدا بدقة ليعود الى العموميات في التنظير، بل واعتماد "منطق الضغط يولد الانفجار" باسقاط العلوم الفزيائية والكميائية على حقل العلوم السياسية والانسانية، بمعنى تصبح السياسة والاقتدار على تدبير أمور الأمة، شبيها باعداد وجبات الاكل على بوابور الغاز، وتصبح في المخيال الخرافي لأرسلان وملته، دينامية مكونات الجماعات منها الشعب والأمة شبيهة بطنجرة الضغط وتخضع لمقياسها، كأن المشروع المجتمعي للمغرب، بابتذال علمي ومعرفي هو ما يطبخ في الطنجرة بمعنى:عدسا أو فاصوليا أو بيصرة وهلم جرا..
لا... إن القراءة العلمية الجديدة للواقع وتحولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تطرح نفسها كنقيض قوي ببلاغتها العقلانية والالكترونية التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وتجعل من نظرية الحتمية الخرافية مثل "قومة 2006" وبعدها قومة الكامون في 2018 مجرد أحلام من باب الفهلوات أمام العجز عن الإمساك بناصية الواقع السياسي المشترك والجامح في آن واحد مع تطويعه الى حياة عامة أفضل مع تحويله الى الأجود الممكن عوض المأزق الممكن، ما نسميه عموما بالعدمية و الشعبوية(..)
لأرسلان، أقول في آخر هذه القراءة المستعجلة، في حوار امتلئ بالهلاوس المأطرة مرة بالدين ومرة بالفكر، أن كل كلام لا يستجيب له الواقع المعملي هو ضرب من التدجيل والشعوذة، مع إشارة أخيرة: إذا كانت الحتمية بالشكل الذي يقف في المنام على أهل "العدل والاحسان" وتباشير القومات والانفجارات في المغرب صحيحة لكان هذا الوطن الحبيب قد تشظى الى اشلاء وجزيئات، من فرط الهرطقات الخرافية والتكهنات الغيبية بالقومة، ولنسمي الامور بمسمياتها نقول ان الجماعة دخلت مرحلة "الدائرية التاريخية" وما تفرضه من انغلاق على الذات العامة الى درجة مقتل الايديلوجية من فرط الدوار في البحث عن المطلق في الواقع النسبي، وعن الانتقال من الطبيعي الى اللاطبيعي بإنعاش الذاكرة والنكوص الى الماضي، وليس الانتقال الديمقراطي ..