جميل أن يتابع المرء الحركية السياسية في بلده من بلد الاغتراب، وجميل أن يكون الإنسان مواكبا لتطورات بلده ومرتبط ولو عاطفيا بوطنه، ولكن الأجمل من أجل المحافظة على مصداقيته ومصداقية ما يطرح من خلاصات هو صدق وصلابة عناصر التحليل، لأن التحليل المبني على الحلم لا يولد في الأخير إلا الخيبة والانتكاسة التي قد تؤثر على التوازن النفسي لصاحب التحليل وتفقده ما تبقى له من رصيد.
تصريحات بوبكر الجامعي حول الحركية السياسية في المغرب أبانت أن بوبكر الجامعي لا يملك معطيات حقيقية لكي يعطي تحليلا مقبولا لحاضر ومستقبل المغرب، وهذه الخلاصة تظهر من خلال معالجته لملفات كثيرة من بينها الزخم العشريني.
حقيقة زخم 20 فبراير عكس ما يذهب له الملاحظون والمتتبعون المغاربة والأجانب من أن حركة 20 فبراير بدون أفق ولا غد لها، وأنها فقدت حتى الزخم المتواضع الذي بدأت به.
يذهب بوبكر الجامعي في تصريح لموقع منبركم إلى أن الحركة لم تَعِش خريفها وأن طنجة أصبحت منطقة محررة
المتتبع لحركة 20 فبراير ومنذ خروجها في الأحد الأول يعرف بعين الخبير أنها لن تعيش، وأن خريفها عاشته في يومها الأول وأنها كانت تحمله في رحمها.
المغرب مجتمع مفتوح وليس مجتمعا مغلقا، الناس ليست مكبوتة في التعبير عن تمنياتها، وتمارس حريتها في أكثر من مجال بما في ذلك ما هو محرم وكثيرون من سكان 20 فبراير يعادون المقدسات الكبرى للشعب، كشعب مسلم لا يحبذ الإفطار في رمضان والقحب والخمر واستهلاك المخدرات وغيره.
كثيرون يمارسون بالملموس حريتهم، وكثيرون في شارع 20 فبراير لا يؤمنون بقيم الحرية كما يرتضيها الشعب ويتربصون للانقضاض على المكتسبات التي راكمها الشعب المغربي منذ الستينات. والشعب غير مقتنع بالمرة بالتنظيمات الاستبدادية الشيوعية أو الإسلامية التي استوت داخل حركة 20 فبراير، الشعب الرقم الأهم في المعادلة لم يلتحق بحركة 20 فبراير، إذن من خرج؟
خرج جزء من النخبة المستفيدة تملك من حطام الدنيا الشيء الكثير، وكونت مجلسا وطنيا داعما للشعب الذي لا يريد أن يثور فثاروا مكانه، وهناك أمثلة عديدة للشباب أبناء الذوات الذين دفعهم الالتزام السياسي لآبائهم حتى يخرجوا وخرجوا، ولكنهم ليسوا الشعب فمنهم من يركب سيارة لا يركبها وزير، ومنهم من تظاهر ضد مهرجان موازين وتسلل ليلا مع أقرانه ليسرق لحظة استمتاع بالموسيقى، ومنهم من لم يدخل براكة واحدة في حياته ويسكن بيتا خضرته مستوردة من أدغال إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وحتى الآتين من العدل والإحسان أغلبيتهم تعيش فوق مستوى الشعب وفي بعض المرات يشاركهم بعض الطامعين في اقتصاد الريع كالذي استفاد من سكن بعد هدم براكته، ولكنه يريد المزيد له ولأفراد أسرته باعتبار أنه أب لعائلة مركبة
وهي فئة لم تجد من يتبنى جشعها إلا النهج الديمقراطي الذي قد يصبح حليفا اجتماعيا لكل المستفيدين من الفساد الإداري المتطلعين إلى اقتصاد الريع الجشعين الذين يريدون هضم حقوق مغاربة آخرين. الشعب لم يلتحق ومع ذلك فإن متعهدي الاحتجاج تواضعوا وذهبوا عند الشعب عله يلتحق بهم، ولكنه رفض ورفض خيارهم، وقالوا لماذا لا نجرب ما هو قطاعي، أن تتحرك الفئات الأكثر قابلية للاحتجاج ودفعوا الطلبة والتلاميذ في أسابيع احتجاجية وجندوا أولادهم ولم يتمكنوا من تحريك القطاعات فحركوا العاطلين ولم يحصلوا على نتيجة نوعية، بعدها خلصوا إلى أن الخلل في الشعب ويلزمهم شعب آخر أكثر قابلية للثورة، ولهم أن يستوردوه. الشعب لم يخرج لأنه لا يريد واقع ليبيا أو واقع اليمن أو سوريا، حيث الدم. فما حصل في ليبيا لحد الآن كلف الشعب أكثر من 20 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، لأنهم واجهوا نظاما قمعيا دكتاتوريا مغلقا منذ أربعين سنة
عشرين فبراير المغربية عقيم بدون الشعب، والعناصر الداعمة التي تتربص بالشعب لكي تمارس عليه وصايتها جبانة وانتهازية، والشعب يعرفها، فأغلب كائنات 20 فبراير لا يحبها جيرانها حيث تعيش وهي تمثل بالنسبة لمحيطها المباشر في السكن والعمل كائنات نشاز لا تمثل النموذج، كحال أحدهم وهو حسني مخلص الذي طرح في إحدى الجموع العامة أن يعملوا من أجل أن يحرق أحدهم من الشعب نفسه حتى تكون الشرارة فقالوا له في الجمع العام تطوع أنت أولا
فإذا كان بوبكر الجامعي أو أمين عبد الحميد أو العوني أو الرياضي أو عبد السلام ياسين أو غيرهم من متعهدي الاحتجاجات تطوعوا من أجل الشرارة آنذاك تكون لهم المصداقية عند الشعب الذي تبقى له الحرية كامل الحرية في أن يتبعهم من عدمه.
طنجة منطقة محررة، من يسمع خلاصة من هذا النوع يفهم أن مليشيات 20 فبراير تحكم المدينة والواقع غير ذلك، لا شيء تغير في المدينة، ومشاة الأحد تخرجهم العدل والإحسان وتلجمهم العدل والإحسان، ووحدها البلدية تنظف كل أسبوع شوارع المدينة بعد مرورهم، ولا شيء تغير في المدينة رغم كارنفال الأحد، إلا إذا كانت طنجة موجودة في ليبيا أو سوريا أو اليمن، حيث تتصارع القبائل والعشائر والأقليات الإثنية والدينية، هناك الأكراد والشيعة والسنة والمسيحيين والأقليات اليهودية والتركمان والشركس والأرمن، ومكونات أخرى. وعندما يهدأ ما بدأ ويعرف الناس أن مكسب الدولة الوطنية التي حماها العسكر وصادر من أجلها الحريات انهارت، وأن الشرق الأوسط الجديد ولو بمشاركة الإسلاميين عنوانه الكبير هو عدم الاستقرار ونهاية الوحدة الوطنية، أما الديمقراطية فلن تعيشها الشعوب ولو بعد حين، وأمريكا والجزيرة وإسرائيل يعرفون متى بدأوا، ولكن لا يعرفون متى ينتهي الذي قالوا أنه ربيعنا الديمقراطي، فإذا به خريفنا وربيعهم من أجل بناء الشرق الأوسط الجديد، مع ما يقتضيه الديكور من تغيير للدكتاتوريات التي عَمَّرَتْ وحكمت الناس بالحديد والنار