إدريس شكري.
غريب أمر بعض رجال القانون المسيسون الذين شحذوا أقلامهم هذه الأيام لإخراج قضية علي انوزلا عن سياقها القانوني الصرف و يسعون جاهدين إلى حشرها في اطر قضايا الرأي وحرية التعبير بل اجتهد بعضهم ليدخلها في القضايا الدولية الكبرى التي تشغل الرأي العام الدولي عندما سرب لبعض الصحف إشاعة طرح ملف اعتقال المسؤول عن موقع "لهم" على مكتب الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون .
حتى عهد قريب كان هؤلاء القانونيون المسيسون يطالبون في ندوات ومناظرات باستقلالية القضاء ومنع أي سلطة مهما كانت من التدخل في اختصاصاته وأن القضاء هو الجهة المخولة بتوجيه الاتهام وتحرير صك البراءة أو إصدار حكم الإدانة , وهذا ما استجاب له الدستور الجديد الذي كرس استقلالية القضاء عن كل السلط بل نص وبصراحة على إلغاء كل الامتيازات التي كانت حتى عهد قريب تحول دون المساءلة القانونية لبعض الأشخاص من قبيل الحصانة البرلمانية او الامتياز القضائي .
وهكذا توبع برلمانيون ومدراء عامون ومسؤولون كبار من مختلف الأجهزة ومنهم من أدانه القضاء فدخل السجن ومنهم من برأه ورد اليه الاعتبار، وهو ما جعل هؤلاء القانونيون المسيسون يشيدون بهذا التحول الذي يكرس استقلالية القضاء وتساوي الجميع أمام القانون . هذه الروح القانونية اختفت بمجرد توجيه القضاء لصحفي مسؤول عن موقع اليكتروني الاتهام بالترويج للفكر الجهادي الداعي للقتل والعنف والتخريب.
واصطف هؤلاء القانونيون وراء خلفيتهم السياسية رافضين قرار القضاء ومطالبين وزير العدل بالتدخل للافراج عن انوزلا اي دعوة السلطة التنفيذية للتدخل في الشان القضائي وضرب استقلالية القضاء بعرض الحائط.
كان الأحرى بهؤلاء القانونيين المسيسين ان يتصرفوا وفق الأعراف المهنية المتعارف عليه في الدول الديمقراطية ، اي دراسة ملف المتهم و التنصيب للدفاع عنه وتقديم مذكرات قانونية، بدل الانخراط في حملة تستهدف تسييس الملف، خدمة لإغراض شخصية صرفة و تصفية حسابات حزبية ضيقة، رافعين يافطة حرية الصحافة وحرية التعبير ومتجاهلين او متناسين ان الشعب المغربي سبق له ان اكتوى في أكثر من مناسبة بنار الإرهاب وان أرامل ويتامى ومعطوبي العمليات الارهابية لازالوا يعانون من اثارها الجسدية والنفسية والمادية.
فمن واجب الدولة المغربية حماية مواطنيها من الارهابيين ومن يروج لأفكارهم، ومن مسؤوليتها التحقيق مع كل من اشتبه بأنه له علاقة بالحركات الارهابية وتقديمه للعدالة التي لها الكلمة الأولى والأخيرة في إدانة المتابع أو تبرئته ، بفضل العمليات الاستباقية للأجهزة الأمنية تمكن المغرب من كشف واحباط العمليات الارهابية التي كانت تستهدف مواطنيه واقتصاده .
فمن حق هؤلاء جميعا تعبئة طاقاتهم للدفاع عن علي أنوزلا أمام القضاء الذي سيكون هو الفيصل في النازلة تطبيقا لقاعدة المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن ليس من حق هؤلاء القانونيين المسيسين الدعوة للتراجع عن مبدأ فصل السلط واستقلالية القضاء والدفع الى إقبار هذا الخيار الديمقراطي الذي صادق عليه الشعب المغربي من خلال دستوره الأخير .
فعذرا سادتي القانونيون المسيسون فلا أحد فوق القانون.