أسماء أمباري.
«البيرسينغ عبارة عن قرط متجدد و متنوع الأشكال يوضع في أماكن مختلفة من الجسم كالأذن،الأنف، الحاجب،الفم ،البطن...وأماكن أخرى ...
والفئة الأكثر استهلاكا لهذا النوع من «الموضة» هي فئة الشباب، من الجنسين ، حيث يعتبرونه زينة تغير من شكلهم و تضيف لحياتهم شيئا مختلفا ...»
ظواهر عديدة أخذت تنطبع بها، في السنين الأخيرة ، يوميات الفئات اليافعة والشابة داخل المجتمع المغربي ، وذلك بحكم الانفتاح و«التفاعل» ، إيجابا أو سلبا ، بما تشهده المجتمعات الأجنبية ، أوربية كانت أو أمريكية ، وكذا أسيوية ! ومن عناوين هذا التقليد ، على سبيل المثال لا الحصر ، ظاهرة «الوشم» بشتى تجلياته ، كما هو حال ما يعرف بـ« البرسينغ» ، التي شكلت إحدى «الموضات» ذات الانتشار المتزايد مؤخرا .
وللاقتراب أكثر من هذه التقليعة ، استقينا آراء بعض الشباب ، من الجنسين ، ممن «تذوقوا » ألم «البرسينغ».
«قررت في يوم من الأيام ، وبعد تردد كبير ، أن أجرّب «البيرسينغ» ـ عن طريق الإبر ـ على مستوى أذني، وبالضبط في الغضروف، فقصدت أحد الأشخاص الذين يمتهنون ثقب آذان الفتيات بإحدى القيساريات، الذي قام ببيرسينغين بـ 10 دراهم ، حيث تم إدخال حلي مكان الثقب من نوع بلاتين، وهو أرخص أنواع الحلي الموجودة في الأسواق، و بعد مرور ثلاث سنوات، بدأت أشعر بالألم في مكان تواجد الحلي ، وهو ما تسبب لي في التهاب ، وبدأت حدة الانتفاخ تزداد يوما بعد آخر ، حتى أصبحت عبارة عن كريات كبيرة و صلبة، فذهبت لزيارة الطبيب، هذا الأخير بعد فحصها أكد لي أنها عبارة عن ميكروب يتكون بسبب الإنتفاخ الداخلي»!
هذا ما روته أسماء، التي تبلغ من العمر24 سنة ، والمطالبة بإجراء عملية جراحية مستقبلا للتخلص من الانتفاخ المحيط بأُذنيها.
إن الحالة أعلاه ليست الوحيدة التي شهدت تطورا سلبيا للأمور ، بل هناك الكثير ممن أصيبوا بأمراض مختلفة ، إما أقل أو أكثر منها ضررا، نشير هنا إلى حالة شبيهة شيئا ما ، ولكن أكثر خطورة:
«أراد إبني أن يضيف شيئا مميزا لجسمه ، فقرر أن يضع «بيرسينغ» في لسانه، فكانت غلطة حياته، حيث ارتكب في جسده شيئا غيّر حياته رأسا على عقب، إذ أصبح أَبْكمَ ، والسبب هو أن الآلة المستعملة وطريقة استعمالها غير مؤمّنة وبدائية، مما تسبب له في عاهة مستديمة». تقول أُم عصام البالغ الآن 20 سنة من العمر ، والذي أضحى يعيش معاناة مزدوجة ، مادية ومعنوية ، غيرت مجرى حياته إلى حزن وتشاؤم شديدين .
الغريب في الأمر أن أغلب الذين استمعنا إلى آرائهم ، لهم دراية بكل هذه المخاطر، ولكن مع ذلك لا يعطون للموضوع الاهتمام اللازم ولا يترددون في الإقبال على المغامرة!
فهذه فتاة ، في العشرينات من العمر ، كانت محط فضول العديد من المصطافين بأحد الشواطئ خلال العطلة الصيفية المنصرمة ، وذلك بالنظر للكم الهائل من أنواع البيرسينغات التي كانت تؤثث أماكن مختلفة من جسدها، اقتربت منها لأكتشف من هي الشخصية التي وراء ذلك الجسم ، سألتها عن أسباب وضعها للبيرسينغ بهذه الكثرة، وهل هي على وعي بمخاطره فجاء ردها:
«فكرتُ في وضع البيرسينغ كتقليد لمغنيات غربيات، أنا أعلم أن هناك أخطارا كثيرة يمكنها أن تغير مسار حياتي، و لحسن الحظ، فإنني لا أعاني من أي ضرر ، ولكن الأهم لدي هو تغييرُ شكلي وإعطاؤه نوعا من التجديد والإمتياز»!
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، كان لابد من أخذ رأي أحد الأطباء المختصين في الجلد، والذي صرح قائلا:
«الكثيرون لا يعرفون مخاطرالبيرسينغ على الجسم ، لأنه عن طريق ذلك الثقب، يمكن أن تتولد أضرار كبيرة ، كفيروسات وأمراض لا تتبين أعراضها إلا مع مرور الوقت. من بين هذه المخاطر: إمكانية انتقال عدوى بعض الأمراض كالإيدز ( السيدا) و التهاب الكبد «ب» أو «س» أثناء القيام بعملية الثقب. انتقال عدوى بكثيرية بسبب عدم مراعاة أصول النظافة خلال إجراء عملية البيرسينغ وفترة التئام الجرح. ظهور حساسية بسبب الحلي المعدني ، أو بسبب المنتج المطهر الذي يتم استعماله من أجل تنظيف الثقب. بالإضافة إلى هذا ، من المحتمل ظهور «كيلويد» ( كريات منتفخة) يكون السبب المباشر فيها ضعف شفاء الجرح، وتصيب غالبا هذه الحالة أشخاصا من ذوي البشرة السمراء» مضيفا « إن المفروض في هذه الحالة استئصالها ، لأن نموها لن يتوقف، بل سيستمر إلى حد أبعد. كما أن هناك إمكانية إعادة تكوين الكريات من جديد، أي لن يكون أي تغيير في هذه الحالة ، و يبقى من الضروري إجراء فحص لما بداخل الكريات».
وواصل الطبيب حديثه بالقول: « لا يجدر لأي شخص وضع البيرسينغ إلا من كان سليما غير مصاب بأي مرض، كما هو الحال بالنسبة لداء السكري أو الإيدز مثلا ، وذلك تفاديا لانتقال العدوى».
وفي سياق الإحاطة بجوانب هذه الظاهرة ، دائما ، قمنا بزيارة لأحد المحلات «المختصة» في البيرسينغ ، فكان اللقاء بأحد الشبان الذي صرح قائلا :
«يتراوح ثمن البيرسينغ العادي بين 200 درهم إلى 600 درهم، كما أن هناك أنواعا باهظة الثمن ، وهو ما يسمى «البيرسينغ الفني» ، ثمن أكسسوار فقط يتراوح ما بين 1000درهم إلى 1800درهم ، وزبناؤه ينتمون في الغالب إلى الطبقات الميسورة. ومن أسماء البيرسينغ نجد: تيتانيوم ـ الذهب ـ النُقرة.. وهي أحسن الأنواع وثمنها مرتفع جدا. أما أقلها جودة وثمنها أقل فهي : بلاتينيوم ـ السيراميك ـ البلاتين»، مضيفا أنه « قبل أن يضع الثاقب البيرسينغ يجب على الراغب في ذلك أن يملأ استمارة يوضح فيها بعض المعلومات ، كالإسم و النسب مع تدوين إن كان مصابا بمرض ما أم لا ، وإن كان قاصرا فلا بد من موافقة أحد الوالدين للقيام بالبرسينغ».
إنها ظاهرة ، من بين أخرى ، أضحى لها حضور لافت على مستوى الأجساد المغربية ، من الجنسين ، خاصة وسط الفئات العمرية الناشئة ، تُؤشِّر على أن التقليد ، كيفما كانت طبيعته وأسبابه ، يبقى مسلكا محفوفا بالمخاطر والعواقب الوخيمة ، التي قد تظهر في الآن ذاته، وأحيانا بعد مدة زمنية، بتمظهرات لا تخلو من أخطار متعددة الأوجه يصعب تدارك تداعياتها!