أدريس شكري.
بين الماضي والحاضر تغيرت، في المغرب، أشياء كثيرة، ليس في مجال حقوق الإنسان وحده، ولكن في السياسة بشكل عام، التي تتغذى من ثدي الديمقراطية، غير أن عيون البعض تعمى بمجرد أن يتم إعمال القانون، فيتنكرون لكل الإنجازات التي تحققت، خلال سنوات طويلة، كما هو حال محمد العربي بنعثمان والد رضا بنعثمان، الصحفي في "لهم"، والمعتقل السلفي السابق بتهمة الإرهاب.
ولا يمكن أن ينكر هذا التغيير والتحول إلا جاحد بدليل أن تجربة المغرب مع المصالحة غذت درسا يقبل عليه الآخرون بنهم، لأنها أسست بالفعل لفلسفة جبر ضرر ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، أما خواطر محمد العربي بنعثمان، في مقال نشره في"لهم" في نسختها الفرنسية، فهي نابعة من تأثير العاطفة والانفعال مما حجب عليه رؤية الحقيقة أو سعى للالتفاف عليها... لذلك نقول له أن الدستور المغربي لسنة 1992 لم ينص على احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا من باب المجاملة، ولم يكرس دستور فاتح يوليوز 2011 هذه الحقوق ويوسعها من باب تزيين الواجهة، وإنما لحماية التراكم الذي تحقق في هذا المجال على أرض الواقع.
لقد حاول محمد العربي بنعثمان أن يستشهد بمتابعة علي أنوزلا من أجل أن يدلل على رأيه القائل بأن ما منصوص عليه في الدستور، هو مجرد حبر على ورق، ويبقى بعيدا عن التنزيل، لكنه أغفل في سياق هذا "التحليل" أن الحرية ليست مطلقة، وأنها لم تكن في يوم من الأيام هي رمي الناس بالحجارة، ذلك أنه وكما يقول أرسطو: " كل فضيلة تتواجد بين فضيلتين"، فالشجاعة فضيلة لكنها تتواجد بين رذيلتين هما: الجبن والتهور.
إن ما أقدم عليه موقع "لهم" بنشر شريط "فيديو" لتنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي، يحرض الشباب المغربي على قتال النظام، ليس حرية على الإطلاق، بدليل أن هذا البث كان موضوع إدانة الأغلبية الساحقة من المجتمع، ولم يجد أدنى تعاطف إلا من طرف المشهود لهم بالعداء للدولة ( العدل والإحسان/ النهج الديمقراطي/ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، "أمينستي أنترنسيونال").
إن تهديد بلاد بكامله لا يمكن أن يندرج في إطار حرية التعبير، وقد ساق ارتداء طفلين لقميصين يحملان عبارات تحرض على الإرهاب، أما إلى المحاكمة، فما بالك ببث شريط " فيديو" عمره يناهز ثلاثة أرباع ساعة.