بعد أن نأت جماعة العدل والإحسان بنفسها ولسنوات عن موضوع أحداث 16 ماي الإرهابية، التي حدثت بالدارالبيضاء وذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى، أفصحت اليوم في افتتاحية موقعها الرقمي عن موقف مشابه لمواقف العدالة والتنمية، واعتبرت تلك الأحداث مجرد الموجة الأولى من الاستبداد، لاستصدار "قانون الإرهاب"، واعتقال الآلاف من الشباب والزج بهم في غياهب السجون بأحكام قاسية بعد محاكمات غير عادلة، وتشديد القبضة الأمنية على الشعب. وكانت الجماعة لا تفصح عن موقفها من أحداث 16 ماي خصوصا أن المتورطين فيها من السلفية الجهادية، وظلت الجماعة على خصومة مع التيارات الخارجة من الوهابية والإخوان، ولكن كشف الربيع العربي أن الجماعة ما هي إلا الجناح الطرقي للإخوان المسلمين الذين يقفون خلف ميلاد التيارات الجهادية، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه حزب العدالة والتنمية الذي انتظر مرور سبع سنوات ليعود للتشكيك فيمن فعل هذه الأحداث ومن يقف خلفها. وها هي الحركات الإسلامية اليوم تلتقي على موقف واحد، فما الذي يجمع العدل والإحسان التي تدعي نهلها من المعين الصوفي مع أولئك الشباب الذين يكفرون الصوفية ويستحلون دماءهم. وقالت الجماعة في افتتاحيتها "وليس اعتقال أنوزلا أول إشارات "الموجة الثانية" للاستبداد التي نتحدث عنها، فما أكثر المناسبات التي تعرض فيها الإعلاميون، على سبيل المثال لا الحصر، إلى سحب تراخيص عملهم، وإلى الاعتداء عليهم أثناء أداء مهامهم الصحافية، وإلى التهديد كما حصل مع الإعلامية فاطمة الإفريقي، وإلى الإدانة بالسجن النافذ مثلما حصل مؤخرا مع الصحافي مصطفى الحسناوي الذي يقضي حاليا أربع سنوات سجنا نافذا". أي تهديد تعرضت له فاطمة الإفريقي سوى تلك المسرحية الهزلية حتى ينتبه الناس إلى كتاباتها الإنشائية الهزيلة؟ أما الضربة القاضية فهي الدفاع عن الصحافي مصطفى الحسناوي، هكذا دون حياء؛ الرجل لم يترك بؤرة من بؤر التوتر إلا وذهب إليها والتقى المجاهدين وغيرها من الأفعال. لقد اختلطت المعايير وأصبح الكل واحدا، ولم يعد هناك ميزان لضبط الأشياء، ولم تبق مصفاة ولا مسلك لمعرفة الغث من السمين، وأضحى كل "نهيق" حرية تعبير والدعوة للقتل مجرد وجهة نظر ينبغي مناقشة صاحبها فيها، ولم يعد نشر الأفكار الداعية للموت والتحريض على الفتنة مخالفة قانونية وجريمة ترتكب في حق شعب اكتوى بنار الإرهاب بل أصبحت خدمة صحافية، ولم يعد لدى الجهات القضائية الحق في الاستماع إلى أي شخص ما دام يجد من "ينبح" وراءه بعناوين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وقت تتهيأ حركات وتنظيمات لضرب كل هذه القيم لصالح عناوين أكل الدهر عليها وشرب. وكانت الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان قد اعتبرت في بيان سريع لها أن توقيف علي أنوزلا للتحقيق معه حول خلفيات نشر فيديو منسوب لتنظيم القاعدة "انتهاك صريح لحرية الرأي، وبطش واضح بقلم يساهم بكتاباته السياسية في فضح جذور الفساد والاستبداد التي تستعبد الشعب المغربي وتمتص دماءه وتنخر قواه الحية وتستهدف قطع الطريق أمام سعيه الحثيث لإسقاط الفساد والاستبداد". وهذه محاولة لتحريف الوقائع والأحداث عن سياقها وتحويل الموضوع من قضية بحث قانوني وقضائي إلى قضية سياسية وهي طريقة لتمييع الأمور حتى يتسنى لهم إحداث الفوضى ويصبح كل فعل حتى لو خرج عن القانون فعلا سياسيا ومجرد رأي.
النهار المغربية.