محمّد محمّد الخطّابي
"المغرب" هذا الصّقع النائي الجميل، الواقع فى الشمال الغربي الإفريقي، أطلق عليه بعض الرحّالين، والكتّاب، والمؤرّخين إسم "ذيل الطاووس" لجماله، وفتنته، وزهوه ، إذ يحكى أنّ رحّالة من أهله (ما أكثرهم وما أشهرهم ) زار ذات مرّة فى زمن غابر حاضرة بغداد التي كانت تلقّب إبّانئذ بمدينة السلام ..! فى زمن لم تكن فيه القارّة الأمريكية قد إكتشفت بعد ، وكان الناس يعتقدون فى ذلك الأوان أنّ العالم ينتهي عند هذا السّاحل الاطلسي القصيّ . وفى إسبانيا بمنطقة جليقة أو غاليسيا مكان يسمّى (فينيشتيرّي) ومعناه المكان الذي تنتهي عنده الأرض، ويقال إنّ الفاتح عقبة بن نافع دخل بحصانه فى مياه المحيط الأطلسي على السّواحل المغربية حتى غطّت مياه البحرالزاخر قوائم فرسه ، وإستلّ سيفه، ورفعه إلى أعلى فى العنان مخاطبا المحيط الهادر قائلا له : "والله لو كنت أعلم أنّ وراءك أرضا لفتحتها بسيفي هذا "...!
المهمّ أنّ رحّالتنا عندما كان ببغداد رمقته عيون الخليفة الذي ما أن أبلغوه بوجوده بالمدينة حتّى أمر جنده بإحضاره إليه فورا، فلمّا مثل الرحّالة بين يديّ الخليفة قال له متهكّما وساخرا : يا مغربي قيل لي إنك قدمت من بلد بعيد جدّا، وقيل لي كذلك أنّ الدّنيا على شكل طائر كبير، ذيله المغرب الأقصى (مستهزئا ). فأجابه الرحّالة المغربيّ على الفور: أجل يا أمير المؤمنين هذا صحيح، ولكنّ الذين أخبروكم بذلك نسوا أن يقولوا لكم أنّ هذا الطائر هوالطاووس، وأنّ أجمل ما فى الطاووس ذيله..! فتعجّب الخليفة من حدّة ذكائه، وحضور بديهته ، وسرعة جوابه، فأكرمه وقرّبه إليه، وأحسن وفادته.
نعمة الأمن والإستقرار
الإستقرار والأمن اللذان أفاء الله تعالى بهما على بلادنا، نعمة ، وكلّ نعمة عليها حسود، هذه النعمة المباركة ، التي حوّلت المغرب إلى وجهة مأثورة ومفضّلة لدى العديد من مواطني ومواطنات العالم من مختلف الجنسيات القادمين والقادمات إليها من كلّ صوب وحدب من أصقاع وبقاع بلاد الله الواسعة. وقديما قيل : وإذا أراد الله نشر فضيلة ...طويت أتاح لها لسان حسود....لولا إشتعال النّار فيما جاورت....ما كان يعرف طيب عرف العود. فلولا إشتعال هذه النار فى عود الندّ، لما أمكننا أن نستمتع برائحته الزكية ، ولا أن ننتعش بعطره الفوّاح، وقال آخر فى نفس السّياق : إصبر على مضض الحسود .... إنّ صبرك قاتله...النّار تأكل نفسها... إن لم تجد ما تأكله..!
لقد أصبحت بلادنا وللّه الحمد تشهد لقاءات ،ومنتديات،وندوات، وتجمّعات، ومناظرات ، ومؤتمرات،دولية وجهوية وإقليمية على إمتداد الحول على مختلف الأصعدة السياسية، والإقتصادية، والتجارية، والإستثمارية ،والبرلمانية ،والجامعية، والثقافية ، والأدبية ، والعلمية، والإعلامية ، وفى العديد من المجالات الأخرى التي لا حصر ولا حدّ لها.
ناهيك عن المهرجانات ، والتظاهرات ، والمباريات ،والمسابقات الغنائية، والموسيقية، والفنية، والسينمائية، والمسرحية ، والفكرية ،والشعرية،والسياحية، والفلكلورية ،والرياضية، والشبابية، وسواها من الأنشطة والملتقيات،الوطنية والمغاربية والعربية والإسلامية والإفريقية والدولية.
وجهة مأثورة
ما بالك بهذه الأفواج الهائلة التي تتقاطر، وتتسابق، وتتوافد، وتتهافت على بلادنا صيفا ،وخريفا، وشتاء ،وربيعا ..من الكتّاب والكاتبات ، والمغنييّن والمغنّيات، والمطربين والمطربات،والعازفين والعازفات ، والرّاقصين والرّاقصات، والممثّلين والممثّلات ، والمخرجين والمخرجات ، والفنّانين والفنّانات، والرسّامين والرسّامات، وهلمّ جرّا...بعضهم قدم بحثا عن شمس المغرب الدافئة، ،والبعض الآخر جاء للتزلّج والتزحلق على ثلوجه فى آكامه السامقة، وقممه الشاهقة فى أوكيمدن، وميشليفن، وتزاغارت، وجبل أزوركي، ومنطقة كتامة وسواها من منتجعات التزلّج فى بلدنا السعيد، والبعض الآخر جاء لكرم الضيافة التي يشتهر بها المغرب من أقصاه إلى أقصاه ، والبعض الآخر جاء للتسوّق والتبضّع ...
بيعا وشراء ومقايضة ، والبعض الآخر قدم للإستمتاع بمعالمه ،ومآثره العمرانية والتاريخية الباهرة ، والبعض الآخر جاء ليستمتع ببحاره ،وبحيراته ، وأنهاره ووديانه، وجداوله وشلاّلاته، وسهوله وسهوبه، وصحاريه وواحاته، وجباله ، وأخاديده، والبعض الآخر قدم لمزاولة هواية قنص (الجوارح الكاسرة الطّائرة )، وطّرد (الحيوانات البريّة الضارية)، وصّيد (الأسماك واللحوم الطريّة فى ساحليه المتوسّطي والأطلسي..) حيث أصبحت لبلادنا شهرة واسعة فى هذا المجال . والبعض الآخر جاء فقط للتسرية والتسرّى ، والتسلية والتسلّي، والبعض الآخر فرّ من لظى السّعير المشتعل ،وأوار الغضب الهادر المتأجّج ،والفتنة التي هي أشدّ من القتل ،التي عمّت بعض البلدان التي كانت أعشاشا وأوكارا، وساحات وحلبات،ومسارح ومراتع لمختلف ضروب الفنون والجنون .. والطّرب والآهات والغناء...هناك حيث تشرق شمس الله وتسطع، وتجول وتصول فى عنان السماء ، وقمم الجبال وآلآكام البعيدة، ثم تحطّ الرحال أخيرا ،وتغيب فى سلام وراء الآفاق اللاّزوردية الشفقية القانية المحمرّة على صفحة المحيط الهادر...
كلّ هؤلاء وأولئك وسواهم وجدوا ضالتهم فى ربوع هذه الأرض الفيحاء، حيث السّكينة والطمأنينة، والأمن والأمان، والإستقرار والسلام...فالمهرجانات السينمائية والغنائية ، ودنيا الموضة والجمال، والتطرية والدلال أصبحت الشغل الشاغل لكل الجمعيات، والبلديات، والمنتديات ، والمؤسسات الرسمية والخاصّة فى مختلف مدن وحواضر، وقرى ومداشر هذا البلد الأمين. فها هي ذي طنجة تزاحم تطوان، والرّباط تنافس سلا، والبيضاء تتبارى مع مراّكش،وفاس ومكناس، وأكادير، والصّويرة ، والناظور والحسيمة، وأصيلا ، ومرتيل، ووجدة، وبركان،وآسفي والجديدة وسواها من مدننا الجميلة المنتشرة والمنتثرة على خريطة ثراها الجميل ،كلّها تتصارع فيما بينها فى هوس وسباق محموم لجلب الغواني الحسان، من ذوات الذوات الفاتنة، والقوام الممشوق ، ومن هائفات الخصور ، وطويلات الأعناق ،ذوات العيون النّجل، والحواجب المزجّجة، والمشاعر الرقيقة، والأحاسيس المرهفة ، والحيوات المترفة ، والشعور الغجرية المجنونة المنسدلة والفاحمة المسافرة فى كلّ الدنيا ..! فما بال كلّ واحدة من هذه الحواضر كالغيرى تنافس بعضها بعضا ، وأحيانا تباريها، فى الحسن، والإعداد، والتزويق ،والتنميق، والتلطّيخ ، والبهرجة ،والفرجة والتبرّج طورا ، وأطوارا تباهيها .. !
لقد ظلّت بلادنا فى مأمن من تلك الرّياح العاتية التي هبّت كأتيّ منهمر على العديد من البلدان العربية الأخرى المجاورة لها والنائية عنها، وما سبّبته تلك التوابع والزوابع، والهزّات والرجّات من الفتن، والمحن ، والأهوال، والقلاقل التي أحدثت بثورا وتجاعيد، وهوّات عميقة، وإنشقاقات سحيقة فى تضاريس الخرائط السياسية فى هذه البلدان، والتي ما فتئت تبحث فى سديم الليل وهزيعه حائرة، ملتاعة، هلعة، مروّعة عن بوصلة ترشدها إلى السبيل السويّ ، وهي ما إنفكّت تعاني الدّوار والبوار، و إنعدام الأمن بها ، وغياب الإستقرار فيها.
السّاهرون على أمننا
نقاط المراقبة، وصوى الأسلاك الشائكة المدجّجة السميكة الموضوعة على جانبي الطريق للتحرّي ، والتمعّن ، والتفتيش، التي يقيمها رجال الأمن عند مداخل المدن المغربية ومخارجها ، تقدّم للزوّار والسيّاح والوافدين الاجانب ، وللمواطنين كذلك صورة غير حقيقية ، وإنطباعا غير واقعي عن نعمة الأمن والإستقرار التي تنعم بهما بلادنا وللّه الحمد ، الكثيرون منهم يتساءلون عن أسباب ودوافع هذه الإجراءات المتشدّدة التي توحي لهؤلاء الأجانب على وجه الخصوص بوضع لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وتبدو لهم من جرّاء ذلك البلاد وكأنها تعيش حالة ذعر وهلع والعياذ بالله، فضلا على أنّ هذه الإجراءات الأمنية الرّوتينية المكرّرة والمتواترة تعرقل السّير، وتسبّب فى غالب الأحيان فى طوابير طويلة لمختلف وسائل النقل نظرا ل" تبطيئ" السّير وليس"تخفيفه" – كما يشار فى العلامات الموضوعة على جانبي الطريق- فيغدو المرور يتمّ بتؤدة وتأنّ حتى يتسنّى لرجال الأمن التحديق فى وجوه الرّاكبين نهارا، وإيقاد المصابيح اليدوية الكاشفة ليلا وتسليطها على هؤلاء الذين يمتطون هذه الوسائل من السيارات الخاصّة ، وطاكسيات الأجرة الكبيرة منها والصّغيرة، والدرّاجات النارية، والهوائية، والشاحنات ، وحاملات البضائع، والسلع، والمنتوجات الصناعية والغذائية وسواها ، وحافلات المسافرين ،وغالبا ما يكون نصيب هذه الأخيرة أطول وأوفر فى البحث والتحرّي والتنقيب، والتأخير ، هذا ناهيك عن أنّ بعض رجال الأمن يمطّطون فى بعض الأحيان فى هذه الإجراءات من إلقاء أسئلة وإستفسارات على المسافرين ، وكأنّ الأمر يتعلّق بمحضر داخل مخفر، وليس عند نقاط مراقبة فى الهواء الطّلق.
أن يقوم رجال الأمن بحفظ الأمن لهو أمر محمود ولا مناص منه، ولا ريب فيه ، فهذا يدخل فى صميم عملهم اليومي، والليلي الشّاق، ولكن أن يتخلّل هذا العمل تأخّرات ، وتجاوزات مع بعض المواطنين فهو أمر آخر قد لا يستسيغه ويتقبّله الناس ، أعتقد جازما أن بعض الأطر الأكفاء ممّن يزاولون هذه المهمّة هم مؤهّلون للإضطلاع بها التي تتطلّب منهم طول البال والباع معا ، وهم لابدّ أنّهم يتوفّرون على هذه المزايا ، وعلى تجارب ميدانية فى هذا القبيل، وعلى نضج واف سنّا، وعملا ، وخبرة ، وحنكة، أمثال هؤلاء يؤدّون مهامهم على خير ما يرام بسرعة ونجاعة ، فى جوّ يسوده الإخاء والمواطنة . أمّا بعض حديثي العهد بالتخرّج منهم الذين تسند إليهم أو تناط بهم مسؤولية مزاولة هذه المهمّة العسيرة المحفوفة بغير قليل من المخاطر والصّعاب ، فلابد لهم قبل كلّ شئ من التمتّع بخبرة طويلة فى هذا المضمار من مراس، ومران فى فنّ والقول ،ودماثة السّؤال، والتجلّد بالصبر، وحسن الأناة ، وسعة الصّدر.
شرطة الشّرطة
وللحدّ من بعض التجاوزات التي قد تحدث هنا، وهناك ، وهنالك بين الفينة والأخرى أحدثت منذ بضع سنوات قليلة شرطة مختصّة تعرف ب"شرطة الشرطة" تراقب بشكل خاص عناصر الشرطة العاملة على الطرقات ، بترصّد أخطائها ، والتصدّي لكلّ أنواع التجاوزات، و تقوم هذه الفرقة وهي - على شاكلة شرطة الشرطة التي توجد فى مختلف المدن الأوربية ، وسواهها من مدن العالم - بدوريات متوالية على مجموع التراب المغربي، دون إشعار للشرطة التي تكون على الميدان، أو عند نقاط المراقبة الطرقية عند مداخل المدن ومخارجها، وتوفر الأدلة الدامغة لمعاقبة المخالفين بإلتقاط صور لهم في حالة تلبّس أو غير ذلك. ويستفاد أنّ " شرطة الشرطة" المغربية منذ إنشائها أنجزت خلال المدّة الأخيرة العديد من التقارير والمحاضر فى هذا القبيل ، بالإضافة إلى جمعها للإثباتات الكافية، وضعت أمام أنظار كبار المسؤولين الأمنيين فى البلاد . و تتنوّع أو تتراوح أشكال العقوبات التي قد تلحق ببعض هؤلاء الذين إرتكبوا بعض التجاوزات بين التوبيخ، والزّجر، والتنقيل، وقد تصل في بعض الأحيان إلى الفصل، وقد لقيت هذه العملية،التي تدخل في إطار محاربة الفساد، وتوخّي النزاهة ، وحسن المعاملة إستحسانا وترحابا واسعين في أوساط المواطنين المغاربة.