مرة أخرى، يعطي علي عمار الدليل على أنه مصاب بعمى الألوان، وهو المرض الذي يداهم صاحبه ويجعله كمن يهذي، فتختلط عليه الأمور لدرجة لا يستطيع معها تمييز الخيط الأبيض من الأسود في واضحة النهار، وبالتالي تكون رؤيته مضببة. وفي هذه الحالة، فإنه في حاجة لجلسات ترويض متتابعة وطويلة للبصر والرؤية. أما البصيرة، فتلك نعمة من الله لعباده المومنين. كأني بعلي عمار، الذي أثار في مقاله مسألة "التراجيكوميديا"، وهو يتحدث عن اعتقال أنوزلا، يجسد شخصية البهلواني فيما كنا نسميه ونحن صغار "سيرك عمار" ، وهو السيرك الذي كان يجوب مختلف مناطق المغرب لتقديم الفرجة للعموم. ومن سخرية الأحداث أن يقترن اسم علي عمار باسم السيرك المذكور، مما يعني أن علي (ليس أنوزلا بل عمار) مجرد بهلواني في سيرك كبير يمارس فيه نزواته وعاداته المفضلة من خلال أدواره "التراجيكوميديا" في التضليل والخداع، بينما المتفرجون فيهم من يبكي وفيهم من يضحك. في إطار هذا الهذيان، يبشركم علي عمار بظهور رجل سيخلص المغرب من جميع مشاكله، ولا يتردد في إلباسه لبوس "المهدي المنتظر" أو "المسيح" الذي يملأ الأرض عدلا خاصة بعد اعتقال علي أنوزلا (الذي ربما قد يكون الرجل المبشر به)، وقرب نهاية النظام الذي لم يتردد علي عمار في تقديم علاماته الدالة على ذلك. لقد استغل الرجل، كما فعل أصحابه، قضية الصحفي أنوزلا، ليصفي حساباته القديمة مع النظام، وليتقيأ حقده الدفين على شخص الملك، بل يتنبأ بأن عهد محمد السادس في تراجع بالرغم من صورة الاستقرار التي تميزه عن نظرائه الذين عصفت بهم الثورات العربية. لقد كثر عدد "الشوافين" بيننا في الأيام الأخيرة لدرجة يقولون أشياء لا صلة لها بالواقع، وتراهم في كل وادٍ يهيمون، في محاولة لانتزاع وصلة تصفيقات أو قهقهة ضحكات من المتفرجين. ألم نقل إنهم يجسدون شخصية البهلواني في سيرك عمار؟ يقول عمار ما على المغاربة سوى انتظار "المهدي المنتظر" أو "المسيح"، ويطمئنهم بأن كل السلاطين والملوك كانوا دائما يسقطون إما نتيجة هزات أو ثورات أو من طرف الاستعمار؛ وأن عهد محمد السادس لن يعمر طويلا كما عمر والده. هكذا "يعمر عمار الصهاريج" بأي شيء من إيحاء هذياناته التي تعطي الدليل على أنه في حاجة ماسة للعودة إلى مقاعد الدراسة أو دعم نفسه بدروس خصوصية حول جغرافية وتاريخ المغرب، لأنه يعاني من فقر كبير في هذين المادتين إلى جانب دروس في تقوية وترويض البصر.