د.خالد ممدوح العزي
يتمتع الكاتب الروسي فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي بشهرة عالمية واسعة.
وُلد الكاتب الروسي العالمي في موسكو عام 1821 من أصول واحدة من دول البلطيق، وتوفي في سان بطرسبورغ عام1881، أي أنه عاش في القرن التاسع عشر، مع ما رافقه من بؤس وحرمان ومعاناة في الحياة الروسية بسبب تحكّم القيصر، وهو القرن التي تفتحّت فيه الرؤى الأدبية العاكسة لهذه الحياة، والمتحدّية لها عبر طرح الأفكار المتحررة والتغييرية من خلال أعمال أدبائها، والتاركة الأثر الكبير في تحضير الأرضية لعملية تغيير، أي تغيير..
لقد ساهم دوستيوفسكي مع كثر أمثاله في تحويل واقع الحياة الروسية هذه الى لغة، والى مادة للنقد والثورة. فقد كانت شخصياته دائماً في أقصى حالات اليأس وعلى حافة الهاوية، ورواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية كما تقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية.
تأثر فيودور ميخايلوفيتش في طفولته بالمحيط الذي نشأ فيه، فهو الولد الثاني من سبعة أطفال ولدوا لـ ميخائيلوفيتش وماريا دوستويفسكي، حيث كان والده جراحاً متقاعداً مدمناً على الخمور سريع الانفعال، وحيث كان يعمل في مستشفى مريانسكي للفقراء في أحد أحياء موسكو. كانت المستشفى مقامة في أحد أسوأ أحياء موسكو. حيث كان يحوي هذا الحي على مقبرة للمجرمين، ومحمية للمجانين، ودار أيتام للأطفال المتخلى عنهم من قبل أهاليهم. وقد كان لهذه المنطقة التأثير القوى على دوستويفسكي الصغير. الذي أثار شفقته وانتباهه اضطهاد وقلق الفقراء. مع منع أهله لذلك. فيودور كان يحب أن يتمشى في حديقة المستشفى، حيث كان المرضى يجلسون ليلمسوا لمحات من أشعة الشمس. فيودور كان يستمتع بالجلوس إلى جانبهم، وباستباط ما يدور في خلدهم.
يصف الكاتب أيام السجن السيبيري بما لا يدع الشكّ بأن هذه السجون لا تزال قائمة في بلدان كثيرة. النفي الى سيبيريا.
تم القبض على دوستويفسكي وزج به إلى السجن في 23 أبريل من عام 1849، لكونه أحد أعضاء جماعة التفكير المتحرر “جماعة دائرة بتراشيفيسكي”. بعد الثوره في عام 1848 في أوروبا كان القيصر “تسار نيكولاس”، جاف وقاسي في التعامل مع أية جماعات تعمل في الخفاء، والتي أحس أنها من الممكن أن تهدد الحكم الفردي المتعامل به. في 16 نوفمبر من تلك السنه، كان دوستويفسكي ومعه باقي اعضاء “جماعة دائرة بتراشيفيسكي” قد حكم عليهم بالإعدام. بعد عملية إعدام زائفه، والتي خلالها وقف دوستويفسكي مع باقي الأعضاء في الخارج في أجواء متجمده منتظرين فرقة الإعدام لتقوم بالحكم. تغير حكم الإعدام على دوستويفسكي إلى أربع سنوات من النفي مع العمل الشاق في سجن “كاتورجا”، في مقاطعة “اومسك”، بسيبيريا،. بعد سنين شرح دوستويفسكي إلى أخيه المعاناة التي تعرض لها عندما كان “يغلق عليه التابوت”. وصف له الثكنات العسكريه المتداعيه، والتي كما وصفها بكلماته عندما كتب “كان من المفترض أن تهدم منذ سنين. في الصيف، أجواء لا تطاق، في الشتاء برد لايحتمل. كل الأرضيات كانت متعفنة. القذارة على الأرض يصل ارتفاعها إلى بوصه (مايعادل 2.5 سنتمتر). من السهل أي ينزلق الشخص ويقع…. كنا محزومون كالسردين في برميل….. لم يكن المكان كاف لتستدير….. من المغرب إلى العشاء، كان من المستحيل أن لا نتصرف كالخنازير…. البراغيث، القمل الخنافس السوداء كانت متواجده بالمكيال.”
من أقوال الأديب فيودور ميخايلوفيتش:
هناك ذكريات يرفض الإنسان حتى أن يعترف بها لنفسه
إما أن أكون بطلا وإما أن لا أكون شيئا فلا وسط في نظري، وذلك بعينه هو ما ضيعني !
ما لم يكن القلب صافيا وطاهرا فلا يمكن أن يكون الوعي بصيرا ولا كاملا.
الألم! ألا إنه لهو السبب الوحيد للشعور، والعلة والوحيدة للوعي.
أما اليوم فنحن نسفك الدماء مثلما كان يسفكها الأقدمون بل أكثر منهم رغم أننا نعد سفك الدم عملا سيئا.. فهل هذا أفضل؟!
هل سبق ولفت نظركم أن أرهف المتعطشين إلى الدماء كانوا في جميع الأحيان سادةً متمدنين؟!
صحيح أنني لن أستطيع أن أحطم هذا الجدار بجبيني… ولكنني أرفض أن أُذل أمام هذا الجدار لمجرد أنه جدار من صخر وأن قواي غير كافية.
لا يمكن للإنسان أن يتعلم فلسفة جديدة وطريقاً جديداً في هذه الحياة دون أن يدفع الثمن.
من أبرز أعمال الكاتب الروسي الكبير فيودور ميخايلوفيتش والتي لا تزال تحفة أدبية عالمية تدرس للأجيال، وقد اشتهرت في العالم بصفة خاصة روايتا “الجريمة والعقاب” و”الإخوة كارامازوف” اللتان عبرتا بأكمل صورة عن فلسفة الكاتب. بيد أن رواياته الأخرى “مذلون ومهانون” و”الأبله” و”الشياطين” و”المراهق” و”المقامر”، على جانب كبير من الأهمية والطرافة.
وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات وأصبحت أفكارها وشخصياتها جزءا من تراث البشرية الروحي. إن أثمن ما في تراثه هو رواياته.
فالأديب الروسي فيودور ميخايلوفيتش يعتبر مدرسة في علم النفس ولا تزال آثاره العلمية تدرس في أفضل جامعات العالم في أمريكا والغرب، ولا يزال مفتاحا للعديد من العقد النفسية التي يمكن الاعتماد في حلها على تركته الغنية وهذه المدرسة التي يطلق عليها المدرسة التجريبية .
أما في السياسة فكانت له جملته الشهيرة التي بنيت عليها الاستراتيجية الروسية الحديثة أفضل لروسيا أن لا تعيش في أوروبا ويكون شعبها “غجرا في وسط القارة العجوز، وإنما التوجه نحو الشرق لكي يعيش شعب روسيا في هذه المنطقة ملوكا”، هذا التوجه تقوم عليه السياسية الروسية الحالية من خلال التحول نحو الشرق في بناء قوة قطبية جديدة فاعلة يتم التركيز فيها على منطقة الأوراسيا التي تربط القارة الأوروبية بقارة آسيا والتي تكون روسيا مدخل سياستها وعمودها الفقري التي تجمع حولها الصين والدول الاسلامية في آسيا الوسطى من خلال اتفاق شنغاهي والاتحاد الاقتصادي .