الإعلام هو مرآة المجتمع التي تعكس واقعه، وتُردد صدى أفراحه وأتراحه، وتنقل أخباره بموضوعية ومهنية وأمانة، بعيدا عن المزايدات والتوظيفات السياسية أو الحزبية أو البرغماتية. فالبحث عن السبق الصحفي لا يعفي وسائل الإعلام من تحري الحقيقة، والتدقيق في خلفيات الخبر، والتحري في الأهداف والخلفيات، المعلنة وغير المعلنة، التي تتحكم أحيانا في عمليات التسريب العمدية لبعض الأخبار التي تتعلق بالمصالح العليا للوطن.
فالفرق بين النشر الإخباري والنشر التحريضي، واضح وجلي، ويسهل التمييز بينهما بالنسبة لكل مبتدئ في عالم الصحافة، وبالأحرى بمن خبر الميدان لسنين طويلة. فنشر شريط لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، لا يقف عند عتبة الإخبار فقط، و لا يمكن النظر إليه من زاوية حرية التعبير، وذلك بالنظر للاعتبارات التالية:
أولا: لأن استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب المعتمدة من طرف جميع دول العالم، كإطار مرجعي استرشادي لمكافحة الإرهاب، تنص في الفقرتين (أ) و (ب) من الفقرة 12 من البند الثاني المتعلق بتدابير منع الإرهاب ومكافحته على ضرورة "الامتناع عن تنظيم أنشطة إرهابية أو التحريض عليها، وتنسيق الجهود إقليميا ودوليا لمكافحة الإرهاب بجميع مظاهره على الأنترنت، ومنع استخدام الشبكة العنكبوتية كأداة لمكافحة تفشي الإرهاب".
ثانيا: لأن ديباجة القرار 1624 الصادر عن مجلس الأمن بشأن منع التحريض والدعاية للإرهاب، تدين - بأشد العبارات الممكنة - "التحريض على الأعمال الإرهابية ومحاولات تبرير أو تمجيد (البحث عن أعذار) للعمليات الإرهابية، التي قد تحرض على ارتكاب مزيد من تلك الأعمال، وذلك لما ينجم عنها من خطر بالغ ومتنام على تمتع الناس بحقوق الإنسان، وتهديد واضح للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول".
ثالثا: لأن الحق في التعبير المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة سنة 1948، وكذا، حرية التعبير التي نص عليها إعلان الحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، ليست حقوقا مطلقة، وإنما لها ضوابط وقيود تتمثل في "القيود التي يقررها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير، وحرياته واحترام المقتضيات العادلة للنظام العام، والمصلحة العامة والأخلاق".
من هذا المنظور، يظهر أن حرية التعبير تمتد لمساحات واسعة في الإخبار والتواصل مع الرأي العام، لكنها تقف عند حدود المقتضيات العادلة للنظام العام، والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع معين. وهنا لن ندخل في متاهات تعريف مقومات النظام العام ومرتكزاته، وتحديد المقصود بالمصلحة العامة، لأن مجرد الحديث عن الظاهرة الإرهابية، والخطر الناجم عنها، يشكل في حد ذاته تهديدا جديا للأمن والاستقرار في أي بلد، ويعتبر – بالتبعية - من العناصر المقوضة للنظام العام.
أكثر من ذلك، فنشر شريط القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، لا يمكن تصنيفه ضمن التهديدات العامة، أو الكونية لشعوب ودول العالم، حتى تنتفي الصفة والمصلحة للمغرب في متابعة كل من قام بنشره من وسائل إعلام وطنية وأجنبية، بل هو شريط موجه للشباب المغاربة، وينطوي على تحريض خاص، وهو الأمر الذي تقوم معه الأركان التأسيسية المادية والمعنوية لجريمة التحريض على الإرهاب، كما هي مقررة قانونا.
إننا لسنا هنا بصدد البحث عن تقعيد قانوني لمتابعة الصحفي علي أنوزلا، أو جريدة "البايس" الإسبانية التي قامت بنشر الفيديو، قبل أن تسارع إلى حذفه من موقعها الإلكتروني، وإنما نحن بصدد الحديث وتوضيح الإطار القانوني الدولي المنظم لضوابط حرية التعبير، عندما يتعلق الأمر بالتحريض على الإرهاب. وهنا لا بد من التأكيد على أن نشر تهديدات و"دعوات واضحة للجهاد، والهجرة إلى الدار الآخرة "، مع ما يوحي به ذلك - في الوقت الراهن - من إشارة واضحة إلى العمليات الانتحارية والتفجيرات، لا يمكن اعتباره عملا صحفيا اعتياديا، وإنما هو دعاية لشريط إرهابي، قد يؤثر- عمدا أو عن غير عمد- في دفع بعض الشباب غير المؤطر مجتمعيا، وغير المنشَّأ تنشئة صحيحة، للقيام بعمليات إرهابية ضد المغرب والمغاربة.
أحمد مصباح – هبة