"قل لي من هو محاميك أقول لك نسبة حظوظك في ربح معركتك أمام القضاء" إنه منطق سائد في بلدان الغرب عموما و الانكلوساكسونية خصوصا، أهم مهنة الآن في أمريكا هي المحاماة لا يمكن لأي كان أن يكون محاميا، لا يمكن في أمريكا أن تجد محاميا بدون مكتب و بدون كاتبة يأخذ مواعيده بنفسه و قد تتحول سيارته أو بيته أو المقاهي المجاورة للمحكمة إلى مكتب دائم له، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق كان محاميا و رئيسها الحالي باراك أوباما محامي، إنها مهنة النخبة الناجحين في الغرب، عندما كان يترافع المحامي الراحل جاك فرجس، دفاعا عن الجزائرية جميلة بوحريد، فإن ربح المعركة ليس لأنه يرافع بمنطق سياسي في القضايا السياسية لكنه يرافع بالقانون و يستغل كل الثغرات و المنافذ الممكنة من أجل ربح المعركة أمام القضاء و عندما يخوض المعركة إعلاميا فإنه يخوضها بمنطق قانوني يبحث عن الأدلة التي تبرئ موكله و يكسر الأدلة التي تدينه، لأنه أولا و أخيرا محامي...
مناسبة هذا الكلام، هو لفيف المحامين المتطوعين للدفاع عن الصحفي أنوزلا المستضاف قَصْرا عند الفرقة الوطنية، إنهم إعلاميا من كبار المحامين، فالجميع يعرفهم، لقد ترافعوا في القضايا الكبرى و في المحاكمات الكبرى التي عرفها المغرب، لكنهم يخسرون في القضايا الكبرى، و يفسرون دائما خسارتهم للمعارك القضائية الكبرى بالجواب السهل، القضاء في المغرب قضاء غير مستقل و إن هناك تعليمات، إنه رد الفعل التبريري الذي أسدل الستار على كل المحاكمات الشهيرة في المغرب، منطق يبيض صفحة المحامي و ربما يقنع العائلة و الأصدقاء، فالكل يخرج خاسرا منكسرا إلا المحامي، فإنه يصبح كبيرا أمام الرأي العام، إنها محاكمات يتحدث فيها المحامي عن نفسه ليصبح مشهورا وسط الرأي العام، وسط المحامين، حتى و إن خسر في المحاكمات الكبرى... لهذا نجد المحامين يتطوعون، لا يطلبون أتعابا في مثل هذه القضايا، لأن المعركة ليست معركة المتابع أو المتابعين أمام المحكمة، بل هي معركتهم الشخصية من أجل تلميع الذات، و البحث عن الشهرة، سواء من أجل الترويج للمكتب أو في أفق استحقاق مهني كانتخابات المهنة أو استحقاق آخر، قد يكون سياسي أو قد يكون اجتماعي أو جمعوي أو أي شيء آخر... فالتطوع هنا مفيد، مفيد أولا للمدافع أكثر منه للمدافع عنه لهذا نجد أن هذا النوع من المحاكمات تحضر فيه صورة المحامي في الإعلام أكثر من صورة المُحَاكَم، إنها لعبة الصورة في الإعلام لكن صورة من؟
قضية أنوزلا، بدأت العملية كسابقاتها، نفس كبار المحامين المختصين في القضايا الكبرى و من المنتظر أن تبدأ المحاكمة كسابقاتها بمعركة الشكليات أو الدفوعات الشكلية بلغة القانون، معركة ضرورة القاعة الفسيحة و المكروفون و حضور التلفزة و الصحفيين و الحراسة النظرية و التفتيش أي بلغة أخرى معركة العقود الراشية و الخاوي لتستهلك أكثر من جلسة... و عندما تبدأ المحكمة في دراسة الجوهر يبدأ المعقول عند المحامين، تسييس الملف، أي حضور الخطاب السياسي و ربط المحاكمة بالبرامج السياسية للأحزاب و المنظمات الجماهيرية التي ينتمي إليها المحامون محامو العدل و الإحسان سوف يردون المحاكمة إلى الحكم الجبري و غياب دولة الخلافة و محامو الاشتراكي الموحد و الطليعة سوف يردون الأمر إلى الملكية البرلمانية و محامو حركة مالي سوف يردون الأمر إلى الحريات الفردية، و محامو النهج سوف يرددون مطلب الدولة الديمقراطية و حق أنوزلا في تقرير مصيره و المحامون المرتبطون بالسلفية الجهادية سوف يعودون إلى قانون الإرهاب و ضرورة إلغائه. كل واحد سوف يردد الأسطوانة المعروفة في الشارع و سيحضر الخطاب السياسي بقوة لكن لا أحد من المحامين سوف يناقش التهمة انطلاقا من الفصول القانونية المتعلقة بالمتابعة و عناصر الجريمة هل تنطبق على الفعل أم لا و الاجتهادات القضائية الوطنية و الأجنبية حول الموضوع، مشفوعة بمرافعات يحضر فيها الإنشاء و الفصاحة اللغوية و المواقف السياسية و خصوصا مناقب الرجل المتابع أمام المحكمة، و هو شيء يحقق الإنتشاء للماثل أمام المحكمة، لكنها مرافعات لا علاقة لها بالمرافعات القانونية بل هي أقرب إلى كلمات تأبينية، تأبن الماثل أمام المحكمة تنقصها فقط كلمة الراحل، أي أن الماثل أمام المحكمة له امتياز الحضور إلى مأتمه و حفل تأبينه و يوم أربعينيته و هو حي لكي يسمع و هو حي كلمات جميلة في حقه و ينتهي الحفل التأبيني .... بحكم المحكمة التي لا تجد في حيثيات الحكم عندما تفصل في مرافعات الدفاع و لا دفع قانوني واحد، لا نجد الإنشاء و تصدر حكمها بإدانة الماثل أمامها أيا كانت العقوبة.... لتبدأ ردود الفعل، لقد كان الحكم مرتقبا باستعمال نفس القاموس ذي الحمولة السياسية حول المس بحرية التعبير و استقلال القضاء، إلى آخر القرص المضغوط حتى لا نقول الأسطوانة. الآن يمكن القول أن نفس السيناريو سوف يتكرر إنهم نفس المحامين نفس الوجوه البارزة، نفس المنطق، و لن تكون محاكمة أنوزلا إلا نسخة مكرورة من محاكمات سابقة فلا تنتظروا غير نتائج مكررة و سابقة و ربما أسوأ. أنوزلا مشا فيها إنها ثمن محامي فابور.
كمال قروع ـ هبة