لسنا من دعاة تقييد حرية الصحافة الإلكترونية، ومعها حرية الرأي والتعبير. فلطالما اعتبرنا حلول زمن الإعلام البديل، بمثابة مرحلة متقدمة للنمو بالحق في التعبير الحر. ولطالما شدّدنا على كون الزخم الذي يشهده فضاء "الميديا" و"التواصل الإلكتروني" هو مظهر من مظاهر التنمية الديمقراطية التي يشهدها المغرب. فهذه قناعة راسخة، لا تراجع عن الاعتقاد فيها إلاّ في الحالة التي تصبح فيها أدوات الإعلام البديل، وفي مقدمتها الصحافة الإلكترونية، عبارة عن واجهة لتصريف "السياسوية"، ضدا عن مناخ النمو السياسي (دستور 2011، التناوب الحكومي..)، وإضرارا بدينامية التحول الإعلامي المقطور بواسطة المنتج الصحافي الإلكتروني الفتي، الذي يحتاج نموه وتطوره للمؤازرة وشد العضد، ولا يتقبل، في المقابل، تحميله قسرا وزر المصالح الفردية، و"الأنا"، والتخندق السياسي.
مناسبة هذا الكلام هو صدور بلاغ الوكيل العام للملك بالرباط، الذي يخبر فيه الرأي العام أن "النيابة العامة قررت إجراء بحث قضائي مع الصحافي علي أنوزلا، على خلفية نشر الموقع الإلكتروني الذي يديره، لشريط إرهابي صادر عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، يتوعد فيه المغرب والمغاربة، بحرب قوامها التكفير والتعصب، ومنهاجها السلفية الجهادية، وغايتها الخلافة على منهاج النبوة ".
بصدور بلاغ الوكيل العام للملك، لم يعد علي أنوزلا المشتبه به الأوحد، بل ورّط معه أحد أهم مكونات المشهد الإعلامي الوطني، ألا وهي "الصحافة الإلكترونية"، وأدخلها بما اكتسبت يداه، في معركة "سين وجيم". معركة، هي في غنى عنها. وأجبرها على التموضع وسط هيجاء، لا تتحملها فتوتها وأغصانها الغضة. مع الأسف، لن يدفع علي أنوزلا ثمن استباحة جريدته الافتراضية، للمصالح العليا للوطن، وأمن البلاد، واستقراره لوحده، بل أن الصحافة الإلكترونية المغربية، ابتداء من تاريخ صدور بلاغ النيابة العامة بالرباط، أصبحت موضع مساءلة حول حدود حرية التعبير، عند هذا النمط من الصحافة. فهل من أخلاقيات مهنية، تؤطر لهذا الضرب الصحفي، سيما عندما يتعلق الأمر بمقالات ومنشورات، فيها تبخيس لأمان الوطن، وتحريض على أمن الآمنين، ودعوة إلى العنف والإرهاب، وتحفيز للمجرمين ...؟!!
لنا اليقين في أن جزءا كبيرا من الجسم الصحفي في المغرب، لا ولن يحيد عن مبدأ أن العمل الإعلامي هو حرية ومسؤولية. ولم ولا يعترينا أدنى شك في الأدوار الكبرى والمواطنة (بكسر الطاء)، التي تضطلع بها "الصحافة الإلكترونية" في مسار التنشئة المجتمعية، والتنمية السياسية. ولنا إيمان وثيق في قدرة الإعلام الإلكتروني على المساهمة الفعالة في كسب الرهانات الكبرى للوطن، وتحقيق طموحات المواطنين. لكن تجربة علي أنوزلا في مجال العمل الصحفي الإلكتروني، شرعنت، مع الأسف، "استقدام" الصحافة الإلكترونية ل"المساءلة"، والتعجيل ب "استنطاقها".
أحمد مصباح – "هبة "