تنشغل الصحافة منذ شهرين تقريبا بالبحث عن الخاسرين والرابحين في ماراطون مفاوضات تشكيل النسخة الثانية من حكومة عبد الإله ابن كيران، لكن «صاحبة الجلالة» لم تأبه لحالها وهي تخرج من لقاءات ابن كيران ومزوار تجر ثقل الخسارة المعنوية، في وقت تحتاج لكل ذرة مصداقية متاحة هناك أو هناك.
لقد قالها الكثيرون غيرنا قبل اليوم، إن الصحافة بالشكل الذي تقترف به في المغرب يجعلها تغتال نفسها في عملية قتل بطيئة وطويلة الأمد، فيها من يريد أن ينوب عن لشكر والباكوري وشباط في وظيفة المعارضة، وفيها من تحول إلى «رئيس دولة» يعطي التوجيهات والدروس لمؤسسات الدولة والأحزاب، وبينهما من يذبج مقالاته حسب تموجات السوق وحالات المد والجزر في سوق المقروئية دونما اعتبار لواجبات الخدمة العمومية … باختصار، شياطيننا كثر وكوارثنا تكاد لا تحصى.
لكن السياسين يتحملون قدرا غير يسير مما توجد عليه صحافتنا اليوم من انحطاط مهني، لقد جعل البعض منهم من الصحفيين سعاة بريد مهمتهم ليس نقل الأخبار إلى القارئ، وإنما نقل الرسائل المتبادلة والإشارات الملغومة أو المشفرة فيما بين المتخاصمين، وفي أحيان أخرى بعث رسائل تطمينات إلى دوائر القرار، وحتى نشر بالونات اختبار وسموم لجس النبض …
في أكثر من مرة كان آخرها لقاء تقديم مشروع إصلاح منظومة العدالة سخر رئيس الحكومة من الصحفيين وما ينشرونه من أخبار عن الحكومة المرتقبة، وفي نفس الوقت يخبرهم بأن «الحكومة في الجيب» ووحده يعرف التفاصيل، هي لعبة «غميضة» إذن، سبقه إليها صلاح الدين مزوار بأسبوع، وهو يلقي بكل ما يقع من مطبات في تشكيل الحكومة على الصحافة …
لكن أحدا من الرجلين الأكثر حضورا هذه الأيام في مشهدنا السياسي لم يسائل نفسه عن حدود احترامه للصحافة والرأي العام حين يتم الاتصال به بحثا عن الخبر، الرأي العام الذي ظل ينتظر تشكيل الحكومة منذ قرابة شهرين لم يستحق طيلة هذه المدة بيانا من رئاسة الحكومة ،أو من قادة التحالف الحكومي، يقدم توضيحات وشروحات حول ما يقع، واللقاءات بين مزوار وابن كيران لاتنتهي بإصدار بيان صحفي، إنما تترك للمصادر الدنيا مهمة تسريب بعض «الخبيرات» التي تكون قد أعدت بناء على مقاس، وعلى هدف معرض للقصف …
قد يكون الصحافيون متهورون في الإخبار، قد يكونوا وقعوا ضحية سباق السبق الصحفي، لكن الأكيد أنهم ضحايا انعدام الحق في الوصول إلى المعلومة، وضحايا سياسيين يختارون الصمت المغدي للإلتباس أسلوبا في العمل، وحين تؤدي بهم تسريباتهم إلى حوادث سير سياسية، يدبجون بيانات حقيقة تجلد سعاة بريدهم الذين لم ينقلوا الرسائل جيدا، أو أنهم سلموها لعناوين خطأ ..
حين لا يكون لديها الحق في الخبر، لا يكون من حق السياسيين الاحتجاج على الصحافة، عليهم أن يتحملوا مسؤولية تبعات لعبة الكتمان، لا أن يقولوا لنا كما قال رئيس حكومتنا المحترم لأحد الصحفيين الخميس الماضي «أنتوما ماشي رجال».