بقلم: بوحدو التودغي.
في مؤشر خطير وغير مسبوق شن تنظيم القاعدة الإرهابي هجوما خطيرا ومباشرا على المغرب.ففي تزامن مدروس مع ذكرى احداث الحادي عشر من شتنبر التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات وكانت من سيناريو إخراج تنظيم القاعدة،اختار هذا التنظيم الإرهابي الدولي أن يصوب مدفعيته تجاه المغرب، وتحديدا إلى شخص جلالة الملك محمد السادس مباشرة ودون تمويه.وذلك من خلال فيديو تحريضي خطير جدا فاقت مساحته الأربعين دقيقة.
إنها المرة الأولى، منذ تأسيس هذا التنظيم الذي يعادي العالم ويكرهه سكان الكرة الأرضية، المرة الأولى التي يسدد فيها فوهة آلته الإعلامية والدعائية صوب المغرب ويتحدث عن رموزه بالأسماء، وهو تهديد غير مسبوق من حيث القوة والتجاسر على أمة اسمها المغرب بهذه الوقاحة اللافتة للنظر والمثيرة للرعب والتحسب، بل ولإعادة الحسابات كلها أمنيا وسياسيا وإعلاميا.
معروف عن تنظيم القاعدة أنه يختار التوقيت والمناسبة إما للضرب أو لتوجيه رسائله المشفرة وغير المشفرة في هذا الاتجاه أو ذلك.
بالنسبة لرسالة أتباع بن لادن الموجهة قبل يومين للمغرب كان لها ثلاثة سياقات: السياق الدولي المتمثل في ذكرى "غزوة توين سنتر" وعلى المستوى العربي اشتداد الحراك العسكري واحتدام الصراع في الشرق الأوسط حيث يتخذ تنظيم بن لادن ملاذات آمنة من العراق إلى سوريا، وبالنسبة للمغرب ثمة سياق الإفلات سالما من تبعات "الربيع الأعرابي المدمر" الذي أتى على الأخضر واليابس في أكثر من قطر عربي.زد على هذا وذاك المخاض السياسي والديموقراطي والاجتماعي الذي يعيشه المغرب أبرز عناوينه مخاض تشكيل حكومة يشارك فيها إسلاميون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
لنعد إلى شريط تنظيم القاعدة الذي اختار له مهندسوه المحترفون اسما يشبه كثيرا شعارات حزب "العدالة والتنمية" اثناء الحملة الانتخابية التي قادتهم لتزعم الحكومة الحالية ويتقاطع ايضا مع شعارات حركة عشرين فبراير إبان الحراك الاجتماعي قبل عامين، وبها انتهى الشريط لمن شاهده جيدا.
من حيث الجانب الفني، لعب الشريط على التوثيق بشكل يقول إن أصحابه يعرفون بالضبط ماذا يصنعون مهنيا وإعلاميا ـ تحريضيا. فمواد الشريط منتقاة بعناية بالغة صوتا وصورة ووجوها. وهكذا نجد الشريط يتكيء توثيقيا على مواد من قناة الجزيرة القطرية، بحيث يكاد المشاهد من فرط حضور "لوغو" هذه القناة يشك أنه صنع في مختبراتها. أما في ما يعني الوجوه فقد استخدم الشريط، فضلا عن صور لجلالة الملك، صور حوارات لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران وبسيمة حقاوي ووجوها للسفلية المغربية الخارجة من السجن بعفو ملكي.
من حيث المضمون، فإن هذا المزيج من الوجوه لم يرد اعتباطا ولا صدفة بل كان الأمر مدروسا سيمكولوجيا: مثلا، هذا هو زعيمكم محمد السادس رئيس حكومته يدافع عنه بينما وزيرة في الحكومة نفسها تطعن في سياساته.هذا أمير المؤمنين بالنسبة لكم، وهؤلاء ايضا "مؤمنون" اي السلفيون متذمرون منه..إنه إيحاء مكشوف من أجل التحامل من خلال رسالة إعلامية سامة جدا.
استنجد الشريط أيضا بالتاريخ المغربي، ولم يكن ليفوته أن يستخدم صور الراحلين المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني أبشع استعمال وبشكل مقزز، من أجل النيل من المغرب ومن أمير المؤمنين الملك محمد السادس كقائد عربي مسلم أبهر الأعداء بحسن قيادة الأمة نحو السلام.
إن الصور المستعملة تنتمي لحقبة الأبيض والأسود، وهي أرسخ رمزيا في الذاكرة المغربية وأقرب روحيا إلى الأجيال الحالية.إنها باختصار الذاكرة الجماعية المشتركة للمغاربة جميعا.
إن المغرب كبقعة عربية إسلامية أفريقية تكاد تكون الحصن المنيع الذي استعصى على القاعدة اختراقه والتعشيش والتفريخ فيه وذلك لأسباب متداخلة منها الاعتدال الذي تتسم به الشخصية المغربية المسلمة، فنحن عرقيا وثقافيا نختلف بيئيا عن الباشتون أو عرب الجزيرة. ودينيا، لنا وحدة المذهب وإمارة المؤمنين العاصمة من كل تشرذم أو تطرف.وسياسيا، كتب لنا أن نختار التعددية السياسية عن طواعية وهي صمام أمان لنا.ولا ننسى أيضا اليقظة الأمنية التي تميز المغاربة كشعب فما بالكم بالأجهزة الاستخباراتية المحترفة والمعنية بسلامة البلاد، والتي عليها يقع ثقل النهوض بهذه المسؤولية الثقيلة جدا.
وقبل أن نتحدث بألم عن جهة إعلامية وكيف تناولت وتفاعلت مع هذا الشريط الذي سيؤرخ لحدث مفصلي في هجوم إرهاب القاعدة على المغرب، تعالوا نتلمس الخلاصات الأولية.
أولا، القاعدة تفرغت للمغرب بشكل مباشر بأسلوب يكشف نفاذ صبرها ويأسها تجاهنا وحذار من حمق اليائس. فكل شيء يبقى واردا من أتباع بن لادن.
ثانيا، تركيز الشريط على شخص جلالة الملك يعني التركيز من أجل استهداف الدينامو الحقيقي لوحدة الأمة وجهاز المناعة داخل الكيان المغربي كجسم حي ومتحرك.
ثالثا، على الأجهزة الأمنية المغربية كلها أن تستنفر كل الإمكانات داخليا وخارجيا من أجل ضربات استباقية ألفنها ناجحة فيها.
رابعا، على الدولة أن توفر لأجهزتنا الأمنية والاستخباراتية كل شروط ولوجستيك العمل، فبصراحة يحزن المغربي الحر حين يرى أو يقرأ أو يسمع أن أممنا يشتغل في ظروف غير إنسانية أحيانيا. فهؤلاء بشر من دم ولحم في نهاية المطاف وليسوا مقدودين من حديد أو حجر.
ليس للقاعدة فقط سلاح المتفجرات بل سلاح الإعلام أيضا وهاهي ذي تستخدمه كمقدمة لهجوم دموي يشفي غليل تريكة بن لادن في أمتنا لا قدر الله.فماذا أعدت الدولة المغربية من استراتيجية إعلامية قادرة على المزاحمة ورد الكيل بما يليق به للمتربصين بالأمة؟ تقريبا لا شيء، مع شديد الأسف.
مقابل هذا الفراغ الخطير في خط إعلامي ذكي وهجومي لصالح المغرب، يحق لأمثال علي أنوزلا أن يعيثوا فسادا في صورة المغرب وفي شخص ملكه.فما أن انتشر الشريط موضوع حديثنا هذا في موقع "يوتيوب" حتى تلقفه موقع "لكمّ لعلي أنوزلا كمادة دسمه حشاها في بطن موقعه وهضمها بلا اي ألم في البطن ولا في الضمير، وأعاد نشر مضمونه عن طريق تلخيص "مهني" ونبينا عليه السلام.
إن ما أقدم عليه أنوزلا لشيء غاية في الخطورة.وإليكم الأسباب المهنية والأخلاقية والقانونية.
مهنيا وأخلاقيا، لا ينبغي استخدام أية وسيلة إعلامية من أجل نقل ما يهين أمة بكاملها، فمراعاة الشعور الوطني أمر متفق عليه كونيا.وأيضا، ما قيمة وسيلة إعلامية اصمت آذاننا بأخلاقيات المهنة، بينما لا يتررد اصحابها في تجاوز كل حدود الأخلاق للنيل من المغرب ومن أهل المغرب.لقد بطل العجب، "لكم" ليس مغربية بل سوط إعلامي في يد الأعداء يوجد بالداخل ويسير من الخارج.
أما قانونيا، فإن نقل شريط القاعدة المستهدف لملك المغرب، تاج راس الشعب، وتطعيمه بتلخيص "مفيد" يعد إشادة بأعمال إرهابية عبر إعادة نشرها وتذييعها عبر وسيلة معلومة المكان والمسؤولين. وإذا كانت وزراة الداخيلة والنيابة العامة غير معنيتين بهذه الإهانة التي لحقت ملكنا، فللملك أبناء وإخوة من هذا الشعب بالملايين سيخرجون للشارع وإن اقتضى الأمر "غادي نديرو شرع يدينا" لوجه الله والوطن ومحبة في هذا الملك الذي منحه الله لنا يخدمنا بالليل والنهار ويكلفه الأمر الشيء الغالي من صحته وأعصابه وشبابه، ولا هو يشكو ولا يمن، ولا يملك من الأمر إلا أن يكون خادمنا روحيا وأخلاقيا ودينيا وسياسيا واجتماعيا، فإن قصر البعض في حقه فلسنا مثلكم والله المستعان، ولا نريد من أجل هذا مأذونية نقل ولا عقارا ولا مالا سوى رضا الله والوطن والملك.
لقد طفح الكيل يا أنوزلا، فأنت الذي ما تركت وسيلة للنيل من المغرب إلا لجأت إليها، وما وجدت فرصة إلا انقضضت علينا في جرحنا المقدس اي وحدتنا الترابية، أنت مع وحدة الجزائر بكل ما أوتيت، ومع وحدة إسبانيا ضد النزوع التحرري للكتلان، وعندما يأتي دور المغرب أنت مع تمزيقه إربا إربا، ويا سبحان الله.
لقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حينما نقلت هذا الشريط علنا وأضفت إليه من عنديتك كثيرا من التوابل. وهنا انتهى الأمر بتحالفك حتى مع القاعدة لأن المستهدف هو بلدي المغرب.تحالفت مع تنظيم يكره العالم والإنسان ويمقته الإنسان والعالم، فانظر ماذا صنعت يداك.جنت براقش على نفسها.