لا توجد عاصمة واحدة في العالم لا تتحدث وتخطط وتنتظر وتتوقع وتفكر في عواقب الضربات العسكرية الأمريكية المرتقبة على سوريا، دول الجوار، من إيران إلى لبنان مرورا بمصر ومجلس التعاون الخليجي والعراق ودول الشرق الأدنى حتى روسيا، كلها تعي وتحسب للضربة الأمريكية ألف حساب وتتوقع اشتعال المنطقة، وشبح حرب عالمية لا تعلن عن نفسها..
خبراء الاقتصاد وأصحاب الأموال، وتجار الأسلحة والمتخصصون في البورصات يتوقعون إسقاطات صعبة وغير محدودة العواقب ، سواء على البلدان المعنية بالحرب أو على دول الجوار، أو على الاقتصاد العالمي.
وقد بدأت بوادر الهزات المالية بالنسبة للبورصات، منذ دخلت مصر مرحلة ما بعد30 يونيو، وتواصلت مع قرعات طبول الحرب في سوريا، ومن المتوقع أن مساندة دولة نفطية كالسعودية، وأخرى في الطرف النقيض كإيران سيكون له تأثير مباشر على الأثمنة، يزيد من حدة الازمة المالية، لا سيما بالنسبة للدولة التي لا تنتج النفط مثل المغرب.
السؤال هو أين نحن من التوقعات المرتقبة، وتأثيرها علي بلد يستورد ؟ وماذا هيأت الحكومة وحزبها الرئيسي؟
وحقيقة الأمر هل السؤال وارد في ذهنها، بعد أن عجزت إلى حد الساعة عن ترميم نفسها و التشمير عن ساعدها للملفات السابقة واللاحقة؟
لقد قررت الحكومة الرفع من جديد من سعر المحروقات، ولم تدخل الحرب بعد سعيرها الكامل، ولا عرفت الأسعار النفطية المستوى المعهود كلما كانت هنا؛ حرب في الشرق الأوسط تكون ورائها أمريكا.
والحكومة، ما زال أعضاؤها في نومهم الدستوري المعسل، كل فرح بما لديه.
الحكومة أمامها معضلة اسمها صندوق المقاصة، وهو صندوق يتغول كلما ارتفع ثمن النفط، ومن المتوقع أن يحصل ذلك، وهي تقدمه كإصلاح قوي بالنسبة لها، بل يردد بنكيران باستمرار أن العفاريت تمنعه من ذلك لأنها على صواب.
الحال أننا نعيش اليوم نفس السلوك السياسي للحكومة، كما وقع بعد تنصيبها في 2011 بعد انتخابات نونبر من نفس السنة.
لنتذكر ما حصل وقتها.
كانت اليونان تغرق في بحر ايجه والدولة تتفكك على مرأى ومسمع من العالم، وإسبانيا تخطو بخطى حثيثة نحو الأزمة المالية العالمية، وتبعتها إيطاليا ، ثم ضربت الأزمة فرنسا. وقتها اختارت الحكومة وحزبها الرئيسي الاستمرار في الوعد الانتخابي ولم تغير شيئا، بل إن وزير المال، السيد الأزمي رفض رفضا كليا الاقرار بوجود أزمة.
والمغرب الذي يعيش اقتصاده في ترابط كبير مع الدول التي ضربتها الأزمة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الجالية المغربية في الخارج ، أو عبر التعاون الاقتصادي مع الدول المذكورة، بدا في خطاب الحكومة كما لو أنه يعيش في جزيرة ولا يشكل جزءا من محيطه.
وقد تابعنا توترات اجتماعية بأشكال احتجاجية غير معروفة ، ليس أقلها محاولة تعطيل الآلة الانتاجية للفوسفاط، الثروة الوطنية الأولى.
وشاهدنا كيف أن موردين أساسيين، الهجرة والفوسفاط يمكنهما أن يتأثرا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
بل حافظت الحكومة على لغة الوعد والتبشير، وتآكلت قدرتها مع حقائق الواقع ، وذهبت خبطات الحكم بالصورة أدراج الرياح.
ومع ذلك،عشنا في وضع سوريالي طيلة العام والعام الموالي، وغيرت الحكومة قانونها المالي، في أقل من شهر وبدأت شيئا فشيئا تقر بالأزمة، وتطلب من المغاربة أن يحبوا رئيسها وأن يصبروا .. حتى ولو طارت الشعبية.
نفس السلوك يتكرر الآن. الحكومة لا تبالي سوى بتوازناتها الداخلية، وتبحث عن حلول من خارج الأعراف السياسية ، وتبديد الزمن السياسي ، والذي لا يمكن أبدا استعادته، وكما حدث لها في السابق، ستقضي الشهور القادمة بحثا عن الزمن الضائع الذي لا يعود.
ولسنا ندري إن كانت الحكومة تعي، بالفعل، قوة ما يحدث في المحيط المباشر للمغرب، أو أنه لا ترى في ما يحدث سوى مناسبة للتقاطب الداخلي، الوزراْء معنيون أكثر بما يحدث في مصر ومواقف الاحزاب من أحداث الحرب، وكأن الوظيفة التي انتخبوا من أجلها هي تعزيز المواقف الأيدولوجية.
والدفع بالبلاد إلى تقاطب هو أبعد ما يكون عن المصلحة الاساسية، لأن المطلوب من رئيس الحكومة وحزبه أولا هو تقديم الدليل على القدرة على تدبير ديموقراطي للتحالف، ثم تدبير وطني للقضايا العالقة، بناء على مصالح الشعب وليس بناء على الأرجوحة الأيديولوجية للوزراء.
ستنتهي الحرب ولا شك، ومن حق المغاربة، إذا سكتت المدافع أن .. يجوعوا وأن يتقاعدوا وأن يشعروا بالأمن الاجتماعي، ولن يكون ذلك بالخطب العصماء حول الموقف من 30 يونيو واعتصام رابعة، على أهمية ما يحدث وقوة تياره على الاسلام التنظيمي هنا أو هناك.