حالة هذيان عصية على العلاج تلك التي تعرفها قيادة الطغمة المتحكمة في رقاب المحتجزين الصحراويين المغاربة في "غيتوهات" تيندوف بالجزائر. فمن التلويح بالعودة إلى حمل السلاح، وكأنهم لا يحملونه، إلى الإعلان عن فشل مهمة المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء، كريستوفر روس، الذي يؤكد تواريه عن الظهور الإعلامي أن شيئا ما غير طبيعي يدور حوله. روس مثل الثعلب الذي يظهر ويختفي. لكن ميزته الأساسية ابتسامته التي تحمل في طياتها خليطا من المكر والبراءة، لدرجة تجعلك لا تستطيع أن تعرف ماذا يدور في رأس الرجل خاصة في الأوقات التي ينتظر منه أن يقدم شيئا مفيدا لرجال الإعلام، حيث أنه يوحي لمن يستمع إليه أنه يقول كل شيء ولا يقول أي شي ء. ولا نعرف ما إذا كانت هذه عادته مع الشخصيات. حين تلجأ زمرة "البوليساريو" إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وتطلب تدخله، فمعنى ذلك أنها تجاوزت ممثله، بل فقدت الثقة فيه، وهي التي ما فتئت تطبل وتزمر له، خاصة بعدما أعلن المغرب، في وقت سابق، وقف مهزلة روس وعدم التعامل معه، في محاولة بئيسة من تلك الزمرة لإبداء التعاطف معه وبالتالي استمالته لتبني أكثر ما يمكن موقفها. ليس عبثا أن يغير الانفصاليون موقفهم من روس بين عشية وضحاها، لأن من يتحكمون فيهم وفي "قرارهم"، بالجزائر، هم من دفعوا إلى هذا الموقف الجديد بدعوى أن كريستوفر فشل في عقد جولة جديدة من المفاوضات مع المغرب، ويطلبون من الأمين العام الأممي زيارة الصحراء لتحريك المفاوضات التي تشهد جمودا. وكيف لبان كي مون أن يحرك المفاوضات أو يشرف عليها وهو غارق في ملفات ثقيلة ،ليس أخفها ملف سوريا ؟ لماذا أصدرت "البوليساريو" حكمها القاطع بفشل روس في هذا الوقت بالذات؟ لماذا عبرت عن موقفها، المملى عليها، بعد الزيارة التي قام بها الممثل الأممي لكل من سويسرا وألمانيا التي تسرب منها أن الرجل اطلع على نموذج النظام الفيدرالي في البلدين المذكورين للاستئناس به والبحث في مسألة ملاءمته مع نظام الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب بناء على الجهوية المتقدمة؟ إن الحديث عن فشل روس لا يمكن أن يأتي من فراغ، بل من معلومات ومعطيات دقيقة من المستحيل أن تتوفر لجماعة "البوليساريو" إلا من الجهة التي تدعمها وتسبغ عليها كل العطف والرعاية أكثر مما توليه لشعبها. وهي الجهة نفسها التي تسعى إلى معرفة المبعوث الأممي القادم وربط العلاقات الجيدة معه. ولحد الآن، طفا على السطح اسم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ليحل محل روس. في انتظار ذلك، ينبغي تسجيل حالة الهذيان التي توجد عليها "البوليساريو" التي لا تعرف هل تحمل السلاح لمواجهة المغرب أم تنتظر حلول المبعوث الخاص للأمين العام الأممي للشروع في تحريك المفاوضات، علما أن الانفصاليين ليس بأيديهم لا حمل السلاح، ولا العودة إلى المفاوضات بدون تأشيرة من الجزائر، الراعي الرسمي لـ"البوليساريو".
حمادي الغاري