مول الدلاحة
النقاش الكبير الذي يهز المشهد الإعلامي المغربي هاته الأيام هو هل قال الزمزمي حقا إنه من حق الرجل أن يستمني مع الدلاحة والقرعة والسطل؟ أم لم يقل؟
الأمر ليس ترفا من الكلام، وليس نقاشا تافها لا حق لنا في دخوله وخروجه (ما دمنا نتحدث عن الدخول والخروج في الدلاحة والقرعة والسطل)، ولكنه في الحقيقة المعبر الأساس عن الدرجة التي وصلها العقل الجماعي المغربي.
وإذ أرى البعض يسارع إلى ضم شفتيه والتعبير عن اشمئزازه من هكذا نقاشات، ولسان حاله يقول “يا ودي يا ودي فين وصلنا مع هاد القوم؟”، أتفهم الأمر لكنني أتشبث بحق الزمزمي في أن يناقش ما يشاء، وأتضامن معه أساسا في بحثه الدؤوب عن إسعاد المغاربة نساء ورجالا بكل الوسائل، إن لم يكن بالجزرة ويد المهراز للإناث مرة، فبالدلاء والسطولا والدلاح للذكور هاته المرة، وإن لم يكن بتحليل الاحتكاك في رمضان داخل الحافلات في رمضان دون خوف من الإفطار وإن نزل ما نزل، إلى تحليل تقبيل الزوجة وقد انتقلت إلى جوار ربها، بل والمرور إلى ما يفوق القبلة مما يأتي عادة لمن كان ذا جسم سليم، مع الدعاء دوما بأن يخفف الله مانزل.
وهناك فقهاء أو من هم في حكم الفقهاء ممن يستكثرون على الزمزمي اللطيف كل مرة هاته الشعبية التي أعطاه الله، وهاته القدرة على إثارة الجموع، ويقولون إنه يسيء للدين وللمتدينين ولمن يتبعون أمثال هذا الفقيه، ويظهرهم بأنهم كائنات مكبوتة لا يهمها إلا الجنس ليل نهار، لذلك لا تتوقف عن طرح الأسئلة حوله. إلا أن كلاما مثل هذا مردود على صاحبه أو أصحابه، فالزمزمي يعلم علم اليقين أن هذا الموضوع شاغل الدنيا ومالئ الناس، وقل فعلا من لا يفكرون فيه باستمرار، وهو يلامس هوى عميقا في كل نفس بشرية لأنه موضوع يحيا معنا ونحيا معه، ولا نتخلص منه ولا يتخلص منا إلا بالموت والفناء، لذلك سيواصل.
فقط تبقى مسألة بسيطة في الختام هي أن الصحافيين الذين يحاورون صديقنا الزمزمي ملزمون بالابتعاد به قليلا عن هكذا مواضيع، فهو أثبت أنه لا يتورع عن الذهاب فيها إلى أبعد مدىت كلما تلقى سؤالا عنها، لذلك يستحسن تجنب طرقه في هذا الموضوع بالتحديد، إذ الخشية الكبرى هي أن يمر يوما إلى مرحلة أكبر من الحماس، فيقرر أن يمزج النظري بالتطبيقي مع الصحافي أو الصحافية المكليفن بمحاورته، و”ديك الساعة فكها يامن وحلتيها” حقا؟
الأبراشي المغربي
أعرف وائل الأبراشي منذ زمن بعيد. الرجل صحافي كبير في بلده، وقلم لامع في الكتابة قبل أن يدخل عالم التلفزيون، وإنسان لديه “تولك شو” يراه ملايين المصريين والعرب، ولا يمكن من باب عدم الاتفاق معه على مواقفه تجاه رابعة العدوية وما يرافق رابعة العدوية أن يتم تجريده من كل هاته الصفات وسبه بأقذع الأوصاف في الأنترنيت، فقط لأنه تجرأ ودافع عن وطنه وعن إبنة بلده تجاه ماتعرضت له.
الحكاية وما فيها، هي أن الأبراشي اعتبر نفسه ملزما بالدفاع عن شيرين في وجه ما تعرضت له في تطوان، والمصريون عادة قوم حمية يقفون مع بعضهم البعض حين الجد، ويدافعون عن إبن بلدهم وإن كانوا مختلفين معه تماما (عكسنا نحن المغاربة الذين نسلخ بعضنا في الخارج والداخل شر سلخة حتى وإن كنا متفقين معه، وهذا موضوع آخر)، وحين أتى منذ أيام إلى برنامجه على “دريم” من أجل أن يقدم ما تعرضت له شيرين في تطوان كان واضحا وقال جملتين لا يمكن إلا الاتفاق معهما.
الجملة الأولى هي أن كلمة “أنا مصري” التي قالتها شيرين ورد عليها متفرج مغربي بعبارة “لا أنا مشي مصري”، هي كلمة في غير محلها والنسبة لبلد مثل مصر هي نسبة تشرف صاحبها فعلا، فهذا البلد بلد حضارة وتاريخ وهو أمة منذ القديم، وهو وطن كل الفنون والحضارات ومكان ميلاد الكتابة وكل الأشياء الكبيرة التي نؤمن بها حقا ونقولها عن مصر حبا فيها قبل أن نقولها فقط لكي نرضي إخوتنا هناك.
أما ثاني عبارات الأبراشي التي صدق فيها فهي قوله لمن صاحوا باسم مرسي في سهرة شيرين “هل تعرفون موقف تنظيم مرسي من هاته الحفلات الفنية التي تحضرونها؟” والجواب واضح وصريح: هاته الحفلات بالنسبة لجماعة مرسي حرام في حرام، والحاضرون إليها كلهم فاسدون مفسدون يضيعون الوقت في التافه من الفعل والمكروه من القول، والحرام من التظاهرات.
لذلك استغرب الأبراشي التناقض الكبير الكائن بين الصراخ باسم مرسي وبين حضور سهرة لشيرين، وقد صدق فعلا في التنبيه لهذا التناقض والاستغارب منه.
مسألة صغيرة فقط لا يعرفها وائل، هي أن هذا التناقض عند المغاربة يعد خصلة حسنة، ونعبر عنه بعبارة “واحد الراس قال ليا هادي وواحد الراس قال ليا هاديك”، لكن هذا الأمر سيظل عصيا على فهمه مثلما استعصى علينا هنا أن نفهم سر دفاعه عن بلده بكل ذلك الحماس.
لنسائل نفسنا فربما عثرنا في الجواب على عناصر تساعدنا على التعامل مع بلدنا بشكل آخر نحن أيضا.