كتب صاحب "أخبار اليوم" مقالا بعنوان" ليس ضروريا أن تحبوا بنكيران لكن لا تكرهوا الديمقراطية". والمقال، كما عودنا صاحب الافتتاحية، يستجيب لفقه إعلامي جديد لا يقيم الفصل بين وظيفة الإعلام وما يستلزمه من مهنية، وحياد،ووفاء للحقيقة ، وبين الخدمة الدعوية المكشوفة التي تدار مرة باسم السياسة الخالصة، والديمقراطية الحقة، ومرة باسم الدفاع عن شرعية العصيان وتبرير الدم المهدور، و إقامة المتاريس المنصوبة باسم النداء السماوي. وحيث إن المقال المذكور يندرج ضمن هذا الفقه الإعلامي الجديد، فان كاتب الافتتاحية، ومن منطلق درس الحب والديمقراطية، يذكرنا بأن حزبه المفضل ، أو ما يسميه في المقال عموم "الإسلاميين المعتدلين" اختاروا العمل في ظل الشرعية ، وفي ظل النظام الملكي، وبالتالي" هناك ألف طريقة لمعارضة الحكومة دون المس بثوابت البلاد"، وبالنتيجة، فان صاحبنا يحذر من" استيراد النموذج المصري إلى المغرب"(هكذا).
وما دام أن الأمر يتعلق بحكاية"الاستيراد" أو "التصدير " أو ما شابههما ، لا يسعنا إلا طرح السؤال المباشر من له المصلحة يا ترى في استيراد أو تصدير أو إنتاج شروط الحالة – أو النموذج المصري إلى المغرب ، نموذج الدولة الاخوانية، دولة الحاكمية القائمة على دستور الخلافة؟. ومن يحلم بالأممية الاخوانية ، الممتدة من الشرق إلى المحيط؟. ومن يريد فعلا" اصطياد الطحالب في الماء العكر"؟، أو لنقل على وجه التحديد من يريد اصطياد ثمار الخريف العربي لفائدة برنامجه المدعوم من قبل الأمريكان ،ولو على حساب السيادة الوطنية، والأمن القومي،ولعل ما ستفجره قضية تفويت سيناء من حقائق ستفسر جزءا غير يسير مما يجري في المنطقة؟.
إن حكاية الحب هاته حكاية ماكرة، وعجيبة. ماكرة، لأن الوقائع تفيد بأن المغرب أقر دستوره الجديد ، ونظم انتخابات سابقة لأوانها أوصلت إخوان بنكيران إلى الحكم دون إراقة دماء،أو إقامة أدرع بشرية بالأطفال والنساء ودون رابعة العدوية. والمطلوب اليوم هو تقديم الحصيلة الحكومية إلى الشعب بعد سنتين من الحكم دون تحريف للنقاش العمومي الذي أدخلته التجربة الحكومية في فصول من العبث والتخريف. وعجيبة، لأن إخوان بنكيران ومن يناصرهم إعلاميا يتهمون جهات بالمس بالمؤسسات في حين أن معجم "الفلول" ، و"الدولة العميقة"-وكل الترسانة اللغوية القادمة من الشرق ، والمدعومة من قبل الإعلام القطري- استقرت في الحقل السياسي بموجب التوظيفات السياسية التي يعتمدها دعاة "التدافع" ومن يحلمون "بجمهوريات" على مقاسهم.
ولأن الأمر يتعلق بمعرفة الجهة أو الجهات التي لها مصلحة – موضوعيا- في استيراد النموذج المصري ، أو العمل على استنبات شروط ذلك أو إنضاج العوامل المساعدة عليه ،لنا أن نتساءل مع كاتب الافتتاحية الذي سبق له أن تنبأ ب"بوادر أزمة كبيرة بين القصر وبنكيران قبيل الدخول المدرسي(أخبار اليوم عدد1147)"...من له المصلحة في ذلك أهو الذي يناضل من أجل مجتمع ديمقراطي حداثي متعدد ومنفتح أم الذي يؤمن بنموذج الخلافة والإمامة؟. أهو الذي يتصارع وفق مستلزمات الديمقراطية ومتطلباتها أم ذاك الذي يمارس السياسة باسم الدين والميتافيزيقا ؟. أهو الذي يؤمن فعليا بضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي أم الذي يهدد البلاد كل مرة بالنزول إلى الشارع ويصرح بان النار تحت الرماد؟. أهو الذي يحترم الموقف الرسمي لوزارة الخارجية التي يمثلها حكوميا وزير من الحزب الحاكم أم الذي يرسل زوجته -وهو رئيس للحكومة- للتظاهر من أجل مرسي؟. أهو الذي يسعى إلى تقوية الجبهة الداخلية للوطن في عز الأزمات أم الذي يشارك الإخوان المسلمين مؤتمرهم العالمي في تركيا لتنفيذ المخطط العالمي ،ويلبس شبيبته شعار رابعة العدوية؟. أهو الذي يبقى وفيا للغته ، ومرجعياته ،وشعاراته ،أم الذي يحرف المفاهيم، ويسرق الشعارات، ويقلب المعاني، ويكذب على التاريخ.
إن الديمقراطية تقتضي تقديم الحساب. وعوض أن تدخلوا المغرب في توقعات، وحسابات تعرفون جيدا لفائدة أية أجندات تشتغل ، لتكن لكم الجرأة في مصارحة المغاربة بحقيقة الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي عجزتم عن مجابهتها،فأغرقتم البلاد مديونية،وأدخلتم السياسة في معاجم الحيوانات،وفي عقارب زمن يبتعد عن جغرافية الوطن ورهاناته الحقيقية.