بديعة الراضي
السؤال الذي طرحه الزميل عبد الحميد جماهري في عموده " كسر الخاطر" ليوم الأربعاء الماضي والمتعلق "بمن هم حلفاؤنا الاستراتيجيون" يدفعني إلى تساؤل آخر يخص "أعداءنا الاستراتيجيين"، وهو سؤال ظل يؤرقني وأنا أراكم مشاهد من بلادي في الأحياء والممرات وفي فضاءات التيئيس والتبخيس، وفي دروب بيع الأوهام والاتجار في آدمية البشر، والتفنن في سرقة الأحلام، وفي بؤر الدوس على رؤوس الذين أنهكت أجسادهم وعقولهم وهم يواجهون مد مياه المفسدين إلى جحورهم التي يختبئون فيها من البرد والحر، حريصين على إحكام قفل بابهم لكي لا يتسرب القهر بشكل مطلق إلى فضاءاتهم الصغيرة بعدما ساد الفساد كالحشرات النابعة من الأفواه الكبيرة التي تناست تنظيف ممراتها وهي تسحق الأخضر واليابس من أجل الصعود على أكتاف الفقراء والمحتاجين. وأعداؤنا الاستراتيجيون هم جيوب المقاومة التي خذلها نجاح المغرب في عدم السقوط في "الفوضى الخلاقّة" ،وبنجاح المغرب في إخراج وثيقة الدستور، التي صوت عليها المغاربة بنعم ،واحترمت فيه الأقلية التي لم تصوت، أو صوتت بـ: لا للدستور، وتلك هي المعادلة التي أخرست الكثير من الأفواه والأقلام التي تريد أن تجر المغرب إلى حراك مشابه في بلدان عربية ذات الأنظمة الشمولية، والتي قام نظامها على القمع والتضييق حتى انفجر غضب شعوبها حد سقوط رؤوس النظام وهياكل الحكم فيها. وأعداؤنا هم الانتهازيون الكبار تجار الانتخابات وصانعو الفضاءات السياسية الوهمية المبنية على استغفال الضعاف منا للزج بالوطن في متاهات لا علاقة لها بالوثيقة الدستورية التي احتكمنا إليها بمجرد تصويتنا عشية جمعة الأمل، و جددنا فيها العهد مع الديمقراطية متوجهين إلى التفكير بجدية في القوانين والتشريعات المصاحبة لها لكي نستكمل بناء مشروعنا الديمقراطي، سيرا على نهج الدول العريقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل بناء الدولة الحديثة بكل أركانها وركائزها الأساسية التي تتمثل في مأسسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في بلادنا. ولقد هرمنا ونحن نتابع بألم كبير المهربين لمصيرنا السياسي وهؤلاء الانتفاعيين يعيثون فسادا في لحظة الحسم في من سيدبر شؤوننا ،ويوظفون في هذا المنحى كل ألاعيبهم السرية والعلنية. فعلا هؤلاء هم أعداؤنا الاستراتيجيون الذين ينضمون بشكل غير مباشر إلى أعدائنا السريين الذين يرمون بوثائقكم السرية إلى العلن في لحظات يختارونها جيداً لصب الزيت على النار، وهم يدركون بالفعل قيمة تحركاتهم ويحسبونها جيدا من أجل خلق البلبلة وخلط الأوراق ،وخلق عوائق جديدة تعثر مسارنا في بناء المؤسسات داخل دولة الحق والقانون. ونقول لهؤلاء ارحلوا من فضائنا، لأننا دولة ذات سيادة، ولأن المغرب الذي نجح في تدبير اختلافه ديمقراطيا، لا يمكن أن يتراجع إلى الوراء ،كما أن المغرب الذي اختار الانفتاح والتفكير بصوت عال في أدق خصوصياته الأمنية، يعي جيدا أفق هذا الاختيار، لكن المغرب الذي وصل إلى هذه النقطة من التدبير الناجح لفضائه الوطني بمختلف توجهاته السياسية والفكرية والثقافية، هو مغرب لا يمكن لتقارير ويكيليكس أن تهزه، فمثل هذه الشطحات الويكيليكسية لم تعد تجدي نفعا ونحن اخترنا حراكنا الاجتماعي والسياسي وتوجناه بدستور نعي فيه جيدا أن الخطوة الأولى التي تضع المغرب في السكة الصحيحة لبناء المستقبل كما نختاره نحن المغاربة، إسلاميين وحداثيين ديمقراطيين، ولسنا في حاجة أن نرفع هواتفنا نحن المغاربة لنقول للآخر احذر الإسلامي أو الحداثي منا، لأننا كلنا أبناء هذه البلد الديمقراطي.. الذي يقول لكم اليوم ارحلوا من دربنا ومن ممراتنا ومن أزقتنا ومن إعلامنا ومن منظماتنا، وليكون رحيلكمأبديا، لكن، ثقوا بنا إن قلنا لكم إننا لا نرفض أن تعودوا إن شئتم من أبوابنا العلنية المفتوحة، من أجل أن نبني معا سلاما وكونا وأنسنة نحترم فيها بعضنا البعض، ونتحاور في مستقبل البشرية جمعاء بتكافؤ ودون إملاءات.
|