|
|
|
|
|
أضيف في 26 غشت 2013 الساعة 03 : 22
قبل زمن الإستعمار و من أجل التمهيد للجيوش لإحتلال المغرب بالقوة، أرسل الإستعمار الفرنسي كتيبة من الأنتروبولوجيين بهدف دراسة النسق الإجتماعي والسياسي المغربي، فتوزع الباحثون الأنتروبولوجيون في المغرب النافع من أجل التنقيب في العادات المغربية لتحديد مراكز القوة و النفوذ في أفق استيعابها أو ضربها إذا اقتضى الحال. لقد سهلت الأنتروبولوجيا على الإستعمار الإستيطان في المغرب، لهذا نجد اليوم كتبا كثيرة لأنتروبولوجيين أجانب تتحدث عن مغرب ما قبل 1956. و رحل الإستعمار و لم ترحل معه الأنتروبولوجيا، بقيت في خدمة من خلقها لتقريب دوائر القرار في العالم الحر من أيسر السبل لتمرير القرارات المدافعة عن مصالحها. فالأنتروبولوجيا التي تهتم أكثر بالعادات الثقافية و التقاليد الإجتماعية للشعوب لم تعد مفيدة في سبر الظواهر ذات التأثير السياسي، فكان أن ورثها شرعيا، من الشرعية العلمية، السوسيولوجيون و خصوصا علماء الإجتماع السياسي. و كان من رواد الميدان الراحل بول باسكون الذي لَقَّنَ جيلا من الباحثين المغاربة آليات و أصول البحث السوسيولوجي حتى يفهموا واقع المجتمع المغربي ليستنبطوا القوانين الإجتماعية التي تحكم تطور المجتمع بعيدا عن الإسقاط الذي يفقد البحث سلطته العلمية، ليسقط البحث العلمي في مطب الموقف السياسي القبلي و يرتهن من أحكام مسبقة. عندما ترتهن الأنتروبولوجيا و السوسيولوجيا ارتهان الإرتزاق للمواقف السياسية المهزومة و المهزوزة فإنها تأخذ طريقها حتما لكي تلقى نفس المصير و يصبح التحليل المهزوز مهزوما كما حصل مع المحاضر الصيفي عبد الله حمودي الذي أخذ إجازة من جامعة برينستون حتى أواخر العام ليحاضر فينا و يروج بيننا خلاصات رجل يعتبر نفسه مفكرا و باحثا انتروبولوجيا من العرب العاربة. لكنه عوض أن يتعاطى مع حركة 20 فبراير بشكل موضوعي و يوفيها حقها في معرفة أسباب فشلها، ألبسها ثوبا لا يستقيم مع الواقع لإرضاء ولي نعمته الذي من أجله خلق له معهد برينستون قبل أن يقفله لعدم مردوديته العلمية قبل تسع سنوات. ارتباط الباحث عبد الله حمودي بالأمير مولاي هشام يشكل المعطى الموضوعي الوحيد لفهم كل أحكام القيمة التي يروج لها عبد الله حمودي مما يفقد خلاصاته قيمتها العلمية و يجعلها تخضع لمنطق "ڭوبلز" في الدعاية الفجة و الترويج الفج لتمنيات أمير برينستون التي لم تفتأ تتعرض للإهتزاز رغم أنها لم تعد أسيرة الخطاب المرموز، بل أصبحت تعتمد الخطاب المباشر و التعبير المفتوح عن أزمة شخصية يريد صاحبها أن يعطيها لُبُوسًا ذات بعد جماعي و يربطها بمشروع مجتمعي عله يجد لنفسه موطئ قدم في مستقبل متناقض كلية مع سيرورته الذاتية. حمودي، مريد شيخ برينستون، يريد أن يفهمنا بوحي من صاحبه أن النسق السلطوي المغربي أصبح في أزمة و موقف دفاعي رغم أنه تعمد استعمال كلمة "نظام" عوض كلمة "نسق"، و يعطينا كدليل أن الملك خصص خطبا مباشرة للشعب طرح فيها مبادرات سياسية، و تحجج المريد بالدفع بأن الملك الحسن الثاني كان يدير الأمور بطريقة أخرى... لو كان الباحث المريد غير تابع لشيخ برينستون لفهم أن الأمر يتعلق بتفاعل للنسق مع مطالب النخبة السياسية و أن هذا تعبير عن دينامية و حيوية داخلية للنسق تمكنه من تجديد آلي لنفسه. فمبادرة دستور 2011 لم تكن محكومة كلية بعامل 20 فبراير، بل كانت بالأساس تفاعلا و تجاوبا مع مطالب الذين فضلوا عدم الخروج للشارع و تقدموا بمذكرات حول الإصلاح الدستوري سنة قبل 20 فبراير 2011، و في مقدمتهم الإتحاد الإشتراكي. أما "خيلوطة" 20 فبراير فهي معروفة بمحدودية تأثيرها السياسي داخل الشارع و خارجه، فلو كانت جثة 20 فبراير قادرة على الحراك لأعطت لنفسها النفس الضروري لتفرض نفسها على الأرض. لقد افتقدت حركة 20 فبراير دعم الرقم الأصعب في المعادلة إنه الشعب، الشعب هجر الشوارع لأنه لم يجد نفسه في بعض مطالب الحركة، لم يجد نفسه في كل لغوها و كل شعاراتها. المجتمع المغربي لم يكن مجتمعا مكبوتا أو مغلقا، بل كان مجتمعا مفتوحا له رصيد مهم من الممارسة الديمقراطية و لم يجد نفسه بالمطلق في نقل كل اختصاصات مؤسسة دستورية إلى أخرى لقد كان له فهم آخر محكوم بالرغبة في الإستقرار و التطوير التدريجي لتعزيز المتراكم من المكتسبات الديمقراطية، و اختار في انتخابات 25 نوفمبر أن يجرب خيار المشروع الإسلامي. فكل المتتبعين و المحللين الموضوعيين داخل و خارج المغرب يعتبرون أن تدبير الدولة المغربية خلال سنة 2011 كان الأكثر نضجا و الأكثر ذكاءا و الأكثر واقعية في المنطقة العربية ، لأن الملكية المغربية تحمل في ثناياها بذور تطورها و تجددها الدائم. لكن انتروبولوجيا الكامون كانت تتصيد جمود النسق السياسي المغربي الذي لم يحدث، و الآن تعتبر أن تطوره و تجديده الذاتي هو نوع من الضعف، و هنا يكمن بؤسها و ارتهانها لمنع الإسقاط لمشروع بئيس بمنطق عليل. تمنيت لو كانت سنوات جامعة برينستون مفيدة حقا للذي يعتبر نفسه باحثا انتروبولوجيا في خدمة الأمير مولاي هشام و أن يجيب أمام جامعة صيفية على السؤال الحقيقي: لماذا فشلت حركة 20 فبراير؟ و لماذا لم يستطع الحزب الإشتراكي الموحد و شبيبته التي صَيَّفَ معها الوصول إلى السقف الذي حددوه في شارع 20 فبراير؟ و لماذا غاب الشعب عن شارع 20 فبراير؟ و لماذا صوت المغاربة بكثافة على دستور يوليوز 2011 رغم أن كل التائهين في شارع 20 فبراير قاطعوه؟ كان على الأنتروبولوجي الكاموني أن يجيب على السؤال، كيف دبر الملك بكل وضوح و مسؤولية قضية "كالفان" و كيف تحمل مسؤوليته في وضع الأمور في سياقها؟ و كيف فشل الأمير و كتيبة عين عودة في إعطاء قضية "كالفان" حجما أكبر من حجمها؟ و كيف فشل الأمير في إضعاف عرش أجداده؟ و كيف خرجت الملكية أكثر قوة من هذا الإستحقاق؟ و كيف انتصر الملك الإنسان على مخططات كل "السمايرية" الذين يخوضون معارك بدون أخلاق؟ انتروبولوجي الكامون كان عليه أن يقرب شبيبة الإشتراكي الموحد من الأسباب الحقيقية التي تدفع أميرا للبحث عن ذاته خارج السياق؟ و لماذا هو مهووس بالسلطة إلى الحد الذي يستغل فيه الموروث الرمزي المعنوي بحثا عن السراب؟ و لماذا لم يتنازل قط عن رمزية كلمة "أمير" التي يُوَقِّعُ بها كل طرهاته؟ و لماذا لم يتنازل عن كل إرثه بإسم اللقب الرمزي حتى يكون منطقيا مع جبة المواطن التي يريد أن يغتصب بها التاريخ؟ أسئلة كثيرة تجعل مفكر الكامون يتحاشاها لأنه مكلف فقط بإنتاج القيم التي تستقيم مع منطق صاحب الطلب، فهو ليس إلا مريدا في زاوية شيخه، اختار ألا يصوت على دستور فاتح يوليوز في موقف معاكس لغالبية الشعب المغربي قبل أن يدفع مريده ليحدث الناس عن مقصلة " لاباستي " و عن لويس الرابع عشر. إنها قمة البؤس، فلا خير في امرئ لا خير فيه لأهله.
كمال قروع ـ هبة بريس
|
|
2830 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|