“الحزب الوحيد الذي أنتمي إليه بكل اعتزاز هو المغرب”
محمد السادس _ خطاب ثورة الملك والشعب 20 غشت 2013
الصراحة. لعلها الكلمة المفتاح لفهم الدقائق الخمس عشر التي دامها الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب. اختار محمد السادس في أول خطاب بعد أزمة “دانييل” أن يذهب إلى عمق العمق, وأن يقول الحقائق الأربعة للمغاربة, وأن يضع يده على مكمن الخلل بكل شفافية.
مشكلة تربية وتكوين. لعل الجملة لم ترد بهذا الشكل على لسان الملك, لكن معانيها ترددت بكل الطرق في الخطاب كله, والرسالة كانت واضحة للغاية: لدينا مشكل كبير يجب أن نحله إذا أردنا أن نواصل السير معا في طريق التنمية.
من أجل هذا لا يمكن إطلاقا أن نعتبر التعليم حكاية سياسية صغيرة نغيرها مثلما نغير ملابسنا الداخلية, وتتحكم فيها انتماءاتنا الصغيرة, بل لابد من خيط رابط وناظم كبير يحرك المنظومة كلها, ويجعلنا نؤمن بأن بلدا بتاريخ وحضارة المغرب لا يمكنه ان يسير دون مخطط كبير في مسألة التربية والتكوين هاته يحركه هاجس وحيد وأوحد هو هاجس تنمية الوطن اعتمادا على هاته التربية وعلى هذا التكوين.
سيقول القائل طبعا إنها أول مرة يقسو فيها الملك مباشرة على حكومة بنكيران من خلال التنصيص صراحة على أن الحكومة السابقة أنجزت عملا جيدا في المخطط الاستعجالي, وأن الحكومة الحالية أوقفته وأن الأمر غير مقبول وغير معقول. لكن المسألة لا تعدو كونها تنبيها لابد منه. والمغاربة يقولون هذا الكلام يوميا عن حالة تعليمنا, بل يقولون ما هو أقسى منه, لذا لا يعقل والحالة هاته والمغرب يحتفي بثورة الملك والشعب (بكل الحمولة التي تحملها عن التواصل بين الجهتين) ألا يجد المغاربة رجع الصدى في خطاب ملكهم عن هاجس يؤرقهم بالفعل هو هاجس تعليم أبنائهم وتربيتهم تعليما جيدا, وتربية حسنة, وأن يجدوا لهم بعد الانتهاء من الإثنين مجالات عمل تستقبلهم, لا أن يلقوا بفلذات الأكباد بعد كل هاته السنوات من التحصيل والدراسة إلى البطالة.
سأل الملك نفسه وشعبه وحكومته في الخطاب “لماذا لا تستطيع فئات من شبابنا تحقيق تطلعاتها المشروعة على المستوى المهني والمادي والاجتماعي ؟”, وحمل السؤال أجوبة كثيرة لعل أبرزها ضرورة الملاءمة الشهيرة التي لطالما سمعنا عنها دون أن نراها بين سوق الشغل وبين الدراسة. ومع السؤال الذي يحمل في طياته كثير التناغم مع ما يقوله الشارع كانت تلك الجملة التاريخية عن ظروف دراسة الملك والتذكير بأن “مناهج المدرسة العمومية وحدتنا” مع الإشارة التي لا تخطئها العين إلى الفوارق الاجتماعية في المغرب, والتأكيد على أن الملك يحس بأبناء شعبه ويعرف بالتحديد ما يجري وما يدور, وكل ما يقال هنا وهناك.
ثروتنا الوحيدة هي شبابنا, ولا نملك ثروات تحت الأرض ولا فوقه, وكل مواردنا المالية تكفي بالكاد هذا البلد، بعيدا عن كل شعبوية في الخطاب, ولا حل لنا إلا أن نقتنع أن شعبا دارسا متعلما متمكنا من أفضل تربية وأحسن تكوين هو الشعب الوحيد القادر على خوض معركة التنمية في البلد. نعم, لا مفر من الأمر, ولا بديل عن خوض المعركة ضد الجهل والتجهيل, وضد الحملات الكاذبة المرتكزة على الأمية الجماعية التي تعتمد السب والقذف في الناس والمؤسسات دون أن تحقق لنا أي تقدم, ودون أن تحمل لنا أي بديل.
من كان يعتقد أن الملك في خطاب ثورة الملك والشعب سيخوض هاته الحرب المقدسة فعلا من أجل تعليم المغاربة وتكوينهم, ومن أجل إطلاق هاته الصرخة الصريحة والقوية والجريئة والمباشرة لقول كل شيء في هذا المجال, ولمصارحة الشعب والمسؤولين أن الأزمة حقيقية في هذا المجال, وأن حلها هو رهان بلد بأكمله من أجل الخروج من أزماته كلها؟
في الحقيقة قلائل هم من كانوا يعتقدون الأمر, وستينية هذه الثورة الشهيرة ستكون تاريخية بالفعل من خلال إعادة الاعتبار للمجلس الأعلى للتعليم, وهو مطلب قديم لقوى حية مغربية كثيرة نسيته أو لنقل إنها نسيته في خضم صراعاتها السياسوية الكثيرة, وآن اليوم أوان تفعيله حقا وأتى حين جعله وسيلتنا المثلى لمقاربة الشأن التعليمي المغربي.
هل نقول مجددا إن الملك أنصت مرة أخرى لنبض شعبه, واستل من أولويات المغاربة الموضوع المؤرق لهم ولأبنائهم ولأسرهم لكي يجعله معركة الدخول المقبل؟
نعم من حقنا أن نقول ذلك, فمحمد السادس راهن مجددا على الشعب من أجل أن يقول للمغاربة “معركتنا واحدة ضد نظام تعليمي لم يعد ينتج لنا شيئا, ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي متفرجين عليه ونحن نعرف حجم الدمار الذي يخلفه”.
هي معركة أخرى, أو لنقلها بلغة الخطاب “هي ثورة متجددة جديدة: ثورة منح المغاربة سلاحا يواجهون به تحدييات العصر, ولا سلاح يعلو فوق سلاح العلم والتربية والتكوين”.
ولكن لننتظر أن يغضب مريدو الجهل مرة أخرى من هذا الكلام, فالأمية لن تخسر معركتها معنا بكل سهولة واستسلام. لا تتوقعوا أبدا ذلك