فضل الأمير مولاي هشام قضاء أغراضه الشخصية أو مرافقة أصدقائه بدل حضور جنازة عمته للا عائشة التي وافتها المنية مؤخرا، وتم دفنها الإثنين بضريح مولاي الحسن بالقصر الملكي، ولم يستوعب أي واحد من المتتبعين هذا السلوك المجافي لتقاليد المغاربة وللتقاليد الإسلامية التي عاش عليها المغاربة قرونا، بل إن كل الأمم والديانات لها تعاملات خاصة مع الموت ومع طقوسه. إلا أن الأمير الذي جمع هذه الأيام بين يديه كل الألوان حتى أصبح كقوس قزح، يسير على خطى شيخه وخادمه في الوقت ذاته عبد الله حمودي صاحب مذكرات "موسم بمكة" (une saison a la mecque) والذي أبدع فيه شيئا جديدا يريد أن يسميه الأنتروبولوجية الدينية، التي فاته أن هناك من أثخنها بحثا وتدقيقا حتى تم البحث عن الترابط بين الأطعمة والروح لدى المتدينين، لكن ما تعلمه حمودي وعلمه لتلميذه وولي نعمته ما هو إلا ضرب من الحماقة الممزوجة بالترف. لقد استغرب الجميع ألا يحضر الأمير مولاي هشام جنازة الأميرة للا عائشة التي ليست سوى كريمة الملك الراحل محمد الخامس وشقيقة الملك الراحل الحسن الثاني وشقيقة الأمير الراحل مولاي عبد الله والد الأمير مولاي هشام، بما يعني أن علاقة القرابة في الفرع قوية وهو ما يحتم عليه الحضور وأداء الفروض الواجبة في مثل هذه المناسبات. وقد حضر كل الأمراء والأقارب من كل أصقاع الدنيا منهم من قطع السفر ومنهم عاد وترك مشاغله وحضر حتى معارفها من مغاربة وغيرهم، باعتبارها شخصية عمومية موسومة بالمساهمة في تحرير المرأة من نير التقاليد وموسومة بالعمل الخيري في أواخر أيام حياتها، وحده الأمير مولاي هشام خالف القاعدة التي درب عليها المغاربة في إلقاء النظرة الأخيرة على الميت، ويبدو أن حمودي لم يكتب بعد أنتروبولوجيا الموت كي يتخذ مولاي هشام موقفا محددا. واعتاد المغاربة على نسيان كل خلافاتهم أثناء الوفاة بل تكون مناسبة للتصالح وتجاوز الماضي والجلوس على مائدة واحدة وتلقي العزاء بشكل مشترك، إلا مولاي هشام وحده يبحث عن خرق القاعدة وهو خرق غير معروف عالميا. لكن السؤال المطروح هو ما هي الرسالة التي يريد أن يوجهها مولاي هشام؟ ومن هو المستهدف بالرسالة؟، هل يريد أن يقول بأنه لم يعد يعترف بعائلته؟ أم يريد أن يقول إنه لم يعد أميرا وقد أصبح مواطنا عاديا؟ هل خاف من مواجهة عائلته نتيجة تصرفاته النزقة؟ أم أن هناك قراءة أخرى لدى مولاي هشام؟، لكن يبدو أنه لا يقرأ في كتاب التاريخ والواقع وإنما يقرأ في كتاب شيخه وعبده ومجموعة المتملقين التي تحيط به