إدريس شكري.
أغلق المغاربة ملف الوحش الإسباني دانيال غالفان، الذي استباح أجساد 11 طفلا بالقنيطرة، بلا رجعة، لأن الملك محمد السادس مسح دموع الضحايا وأسرهم، في استقبال انمحت منه كل البرتوكولات، وحضر فيه الدفء الإنساني، غير أن الأمير مولاي هشام يريد أن يعزي النفس، ويعوض الخيبة التي أصابت المتربصين بالمؤسسة الملكية، وأن ينفخ في الرماد، من خلال الرجم بالغيب. وهكذا يتحدث في مقال رأي، نشره الثلاثاء في جريدة "الباييس" عن ردود الفعل الحاسمة في المستقبل، رغم أنه يعلم علم اليقين، أن هذا الملف انتهى، وأن كل الذين حاولوا الركوب عليه أصيبوا بالخيبة، لأن الذي يهمهم ليس هو الدفاع عن حقوق الضحايا، الذي جبر الملك محمد السادس الضرر الذي لحقهم، وإنما النيل من القصر لغايات بات يعلمها الجميع.
لقد تفاعل الملك بالسرعة اللازمة، و بقرارات متلاحقة مع نبض الشارع كما هي عادته في كل مناسبة طارئة. وحسبنا هنا أن نذكّر بالتجاوب الفوري لمحمد السادس مع مطالب المجتمع في تظاهرات فبراير، في خضم ما اصطلح عليه آنذاك بالربيع العربي . فكان الخطاب التاريخي ليوم 9 مارس الذي أرسى لقواعد مؤسساتية قوية تجسدت في دستور فاتح يوليوز 2011 وما تلا ذلك من انتخابات نزيهة شفافة.
لقد أفرزت واقعة البيدوفيلي الاسباني تجمعات واحتجاجات، هذا صحيح، و ألح االناس على معرفة الحقيقة، وتجاوب الملك مع نبض الشارع . و بالطبع و في كل مناسبة من هذا القبيل، تتحين عدة أطراف تناصب العداء للمغرب الفرصة للخروج بالاحتجاجات عن إطارها الحقيقي وتحويلها الى مجابهة بين الشعب والقصر ، و تسخر لذلك آلاتها الإعلامية الجهنمية عبر كل الوسائل والوسائط الالكترونية ، وتحرك طابورها الخامس المتعشش بين ظهرانينا طمعا في صب الزيت على النار و احتقان الأوضاع.
بيد أن المغرب الفقير من حيث موارده الطبيعية النفطية والغازية و ما شابه ذلك بلد قوي بثروته البشرية و هياكله و مؤسساته الديموقراطية و ترسانته القانونية و دستوره الحداثي المحترم لتعدد الروافد والتعبيرات المجتمعية، و بتاريخه الحضاري العريق و بقوة التماسك بين الشعب والعرش . لذلك لم يكن غريبا أن تتحول واقعة دانييل بعد الصخب الذي نتج عنها الى زوبعة في فنجان و إلى مكر سيء أحاق بصاحبه .
واذا كان مولاي هشام يتصور أن شظايا الجرائم الأخلاقية للوحش الآدمي الاسباني، و الخلل الإداري الجسيم الذي تسبب في الإفراج عنه ،و تمرير اسمه في لائحة عفو جماعية ، سيلحق الضرر بسمعة المغرب قمة وقاعدة، فانه لا شك واهم ، لأن البلاد قوية بجذورها الملكية التاريخية و برجالاتها ونسائها الطيبين الشرفاء، وما عدا ذلك فهو حثالة و زبد يتبخر في الهواء ، ولأن الذي يلحق الضرر بهذا الوطن هو السيد الأمير الذي: "لا يعجبه العجب" فانبرى للهجوم على الجميع من حكومة وأحزاب، بعدما فقد كل أمل في أن يصنع الحدث أو أن يلتفت لمقالته أحد.