محمد بوداري.
فجأة ظهروا بعد غيبوبة وطول انتظار ليعتلوا المنابر الصحافية والإعلامية و"صوامع" الفيس بوك المجيدة و يطلّوا من "نوافذ" الاعلام المرئي، وذلك للإعلان امام الملإ أن الخَطْبَ عظيم وجلل وخطير، وان ما اصاب الامة لا يقبله دين ولا تحتمله شريعة..
هم كثرٌ وليسوا ثَلَاثَة او خَمْسَة او حتى سَبْعَة، كما هو شأن أهل الكهف الذي قال فيهم جلّ جلاله "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم.."
هم كثْرٌ إذن ولا "كلب" معهم، لكي لا نُتّهم بالقذف في حقهم وتشبيه بني الانسان ببني كلبون، رغم ان ورود "الكلب" في آية اهل الكهف له دلالات عميقة ولم يحشره الرب مع الفِتية عن عواهنه، ولم يرد ذكره في المتن القرآني اعتباطا، بل إن بعض الرواة والمفسرين قالوا ان هذا الحيوان سيحشر في الجنة يوم القيامة.
لقد كان لدى أهل الكهف حلماً وهو إصلاح البلد، فيما اتضح ان هؤلاء الذين نتحدث عنهم لا هدف لديهم ولا غاية، في امتهان السياسة وحرفة التحزّب، سوى تحقيق مصالحهم الشخصية واكل الغلّة والتفريط في الوطن والمواطنين في اول منعرج، تصعُب القيادة فيه برخص سياقة مسروقة من الشعب الذي اوكلهم على ماله وعرضه..
اهل الكهف "لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" (الآية 25 )، وأصحابنا لبثوا ردحا من الزمن لا يعلمه إلا الله، وزادوا بضع ايام بعد انفجار ما اصبح يصطلح عليه بـ" دانييل غيت"
انتظروا كثيرا للخروج إلى العلن والإفصاح عن مواقفهم حول قضية العفو عن الوحش دانييل، مغتصب فلذات اكبادنا واكبادهم، ولم يتجشموا عناء توضيح اسباب غيابهم ذاك، رغم مرور وقت ليس بالهيّن على الفضيحة تاركين بذلك المؤسسة الملكية في موقف لا تُحسد عليه، رغم كل الضجيج والعويل الذي يتقنونه حول مدى حبهم للملك ودرجة تشبثهم بأهداب العرش.
البعض منهم حاول تبرير سكوته والتنصُّل من المسؤولية وذلك من خلال القول بأن قرار العفو عن الوحش "غالفان"، ومعه باقي السجناء الاسبان، جاء في سياق العلاقة بين الملكين محمد السادس و العاهل الاسباني خوان كارلوس، و ليس لوزارته أي علاقة بالموضوع، في محاولة للتنصل من مسؤولية حكومة كبيرهم في هذه القضية وتوريط الملك في ملف حسّاس قال فيه اجدادنا بالامازيغية "اوردا يتّمتات يون غاس غيف وارّاو نّس دْ واكال نّس"، وبالعربية تاعرابت ان "المغاربة كيموتوا على ولادهم وعلى بلادهم"..
وحده الحزب الذي وُصف بالإداري، وبأنه خرج من جُبّة المخزن، سابق الجمع وأعلن في وقته عن ضرورة فتح تحقيق وتحديد المسؤوليات فيما وقع، بينما انتظر الحزب الذي خرج منه المخزن( ماشي انا اللّي قُلتها) حتى هدأت العاصفة وخلُص ملك البلاد في مواجهة العاصفة، لكي يخرج ببلاغ يتيم يتضامن من خلاله مع الاطفال الضحايا ويقول ان "المدعو دانييل هارب من العدالة، لأن العفو الذي استفاد منه جاء بناء على تدليس وتلاعب"، وكأنه بذلك قد قام بفتح عظيم وكشف للمواطنين اسرار وطلاسم القضية، والحال ان المغاربة في هذا الشأن يقولون "ملّي تطلّقها ما تورّيهاش دار بّاها"..
بعض هؤلاء انتظر حتى انكشفت الغيوم وانْقَشَعَتِ السًّحُبُ، بعد كثير ضباب وجلبة، ودفع بأحد رموز جناحه الدعوي ليعتلي منبرا افتراضيا على "فيس بوك" ويُعلن في القوم ان "لا داعي للتمسرح الذي يقوم به حزبه (الضمير تقدير على فؤاد عالي الهمة) الفلولي فهو يزيد من تنكية الجراح لا أقل ولا أكثر"، وذلك في إشارة إلى حزب الاصالة والتنمية..
كل هذا في وقت لم يُطلب من هؤلاء القيام بغزوة ضد عدو خارجي تُراق فيها الدماء، مثلما سالت دماء مواطنينا "بزراويط" اعتبر اصحابها انهم "اكثر ملكية من الملك" plus royalistes que le roi ، والحال ان جلالته لم يطلب منهم ذلك بل سارع إلى مجاراة المواطنين والتعاطف معهم في حرصهم على طفولتنا وبراءتها، وذلك عبر بلاغات الديوان الملكي المتتالية، والتي فكت عُقدة الْسِنة الاحزاب لكي ينطلق زعماؤها في مسلسل الحشو واللغو وذلك بموازاة مع المسلسلات "المسُّوسَة"، والحامضة حتى، التي تُمطرِقنا بها قنواتنا العمومية خلال شهر رمضان ..
كما لم يُطلب من هؤلاء تجاوز حدود اللياقة والاحترام الواجب لشخص الملك او إعلانها ثورة حتى النصر وإقامة النظام الجمهوري، على شاكلة جمهوريات المعسكر الشرقي غير المأسوف عليه، كما يحنّ إلى ذلك بعض الواهمين على المواقع الافتراضية بالانترنيت، ويجاريهم في ذلك جيش من "الأَفَطَارات" les avatars ، بأسماء متعددة ومتلونة كل وقت وحين..
لم يُطلب منهم سوى قول كلمة حق هم مُدَّعو حرّاس معبدها، والنهي عن المنكر الذي يعتبره البعض منهم أُسّ عملهم السياسي ودعامة جناحهم الدّعوي الذي جُبل على قول الحق، لا يخشى في سبيل ذلك لومة لائم...
إلا ان ظنّ المواطن قد خاب في هؤلاء الاحزاب، التي تطالبه بعد كل هذا بالانخراط فيها واقتراف ما تأتيه من افعال، لذلك قرر النزول إلى الشوارع والإعلان عن رفضه للعفو على مجرم، اغتصب براءة 11 طفلا مغربيا في عمر الزهور، ومحاربة اولائك الذين لا يزالون يحنّون إلى عهد الفوضى والفساد ضدا على المؤسسات وما يقره القانون..
إنها دعوة إلى دَمَقْرَطَة الحياة واحترام المؤسسات واقتران المسؤولية بالمحاسبة وعدم الافلات من العقاب، مهما بلغ شأن اولائك الذي يدوسون على القوانين التي يحتكم إليها المواطنون، ومهما علا شأوهم في سُلّم المسؤوليات..